بقلم - مي عزام
(1)
وجه الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، رسالة لشعبه بشأن فتح حوار وطنى موسع، يرتكز على أربع نقاط: القدرة الشرائية، والضرائب، والديمقراطية، والبيئة.
وأكد عدم تراجعه عن تخفيض الضريبة على الأغنياء لجذب الاستثمارات التى كانت ضمن برنامجه الانتخابى.
وتأتى فكرة الحوار لبحث سبل الخروج من الأزمة التى تسببت بها حركة «السترات الصفراء» والتى مازالت نشطة وقادرة، بعد مرور شهرين على بدايتها، على حشد الآلاف الغاضبة.
ماكرون ابتلع كبرياءه محاولًا تدارك تداعيات الموقف. وفى تغريدة له حث الفرنسيين على المشاركة فى الحوار و«تحويل الغضب إلى حلول».
(2)
فئات عديدة فى المجتمع الفرنسى تتشكك فى جدوى هذا الحوار الذى لم يعلن بعد عن أدواته وكيف سيكون، من بينها أحزاب معارضة تجد أنها مراوغة من الرئيس لكسب الوقت ووأد حركة السترات الصفراء. بعض أعضاء السترات الصفراء يؤكدون على ضرورة أن يكون النقاش فى الشارع، وليس فى قاعات مغلقة أو عبر الإنترنت، وهذا يدل على عدم ثقتهم بما يمكن أن يحدث بعيدا عن أعينهم، وفى الوقت نفسه يؤكدون أن حكم الشعب لا بد أن يرد له، ولا يقتصر دوره على التصويت عبر صناديق تهدر رأى الأقلية، وهم جزء من هذا الشعب، وبذلك تتحول الديمقراطية لديكتاتورية الأغلبية، مقابل الأقلية المعارضة. حصل ماكرون فى جولة الإعادة على أصوات 66% من الشعب الفرنسى، بمعنى أن أكثر من ثلث الفرنسيين لم يوافقوا على برنامجه الانتخابى، ولم يصوّتوا له. هؤلاء يروون أنه يتم تجاهل طلباتهم المشروعة وحقوقهم كمواطنين من جانب السلطة التنفيذية.
(3)
ديمقراطية الصناديق بصيغتها الحالية لم تعد ترضى الشعوب فى الدول العريقة ديمقراطيًا، رغم شفافية ونزاهة العملية الانتخابية؛ فليس معنى وصول رئيس للحكم أن ينفذ أجندته الانتخابية، وكأنها نص مقدس بغض النظر عن عدم ملاءمتها للواقع ووجود ملايين المعارضين لها، هذا الموقف وقع فيه ماكرون بتخفيض الضريبة على الأغنياء ورفعها على البسطاء بزيادة أسعار المحروقات، وفعلها الرئيس الأمريكى ترامب بمطالبته بإقامة جدار على حدود المكسيك، رغم رفض نواب الشعب الأمريكى، وتفعله رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماى، بتمسكها بمفاوضات البريكست على نحو يرفضه البرلمان.
(4)
«الفرد هدف توجد الدولة من أجله، لا وسيلة تنجز الدولة أغراضها به» كما قال كونفوشيوس الذى أجاب حين سُئِل عن طريقة إدارة الدولة قائلا: «ما يكفى من الغذاء، ما يكفى من العتاد العسكرى، وثقة الناس بالحاكم. فسأله تلميذه: وإذا أردنا أن نحذف من هذه الثلاثة واحدة. قال: نحذف ما يكفى من العتاد العسكرى. فسأله تلميذه مرة أخرى: وإذا أردنا أن نحذف من الاثنين واحدة. قال: نحذف ما يكفى من الغذاء؛ فالإنسان ميت لا محالة، لكن لا يمكن تأسيس دولة دون ثقة الناس بالحاكم!».
(٥)
ثقة الناس داخل فرنسا وبريطانيا وأمريكا اهتزت بالحاكم، ويبحثون الآن عن وسائل جديدة تمنع تغول الأغلبية على الأقلية وتسلط السلطة التنفيذية والحد من احتكارها للقرارات المصيرية. على الحاكم هنا أن يدرك الخندق الذى يقف فيه، ويقبل التحديات التى تواجهه، ومنها تنفيذ برنامجه الانتخابى. الرئيس القوى الحكيم هو الذى يتمتع بالحكمة والحنكة والمرونة والشجاعة التى تسمح له بالتراجع عن قراراته التى يرفضها الناس ليفوز بثقتهم.
(٦)
هذا حال الدول الديمقراطية. أما الدول النامية، فيجب على حكامها الإنصات لكونفوشيوس، حينما سُئل: هل يمكن القضاء على الدولة بجملة واحدة؟ قال: «إذا قلتُ قولًا صائبًا، ولم يعارضْنى أحد، أليس ذلك أمرًا جيدًا؟! وإذا قلتُ قولًا خاطئا، ولم يعارضْنى أحد، ألا يعنى هذا القضاء على الدولة بجملة واحدة؟».
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع