توقيت القاهرة المحلي 03:55:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من البدلة العسكرية إلى عباءة الزهاد

  مصر اليوم -

من البدلة العسكرية إلى عباءة الزهاد

بقلم : مي عزام

(1)

أنعى إليكم وفاة زاهد فى السلطة فى زمن تتكالب الأغلبية عليها.

أنعى إليكم وفاة من صدق وعده فى زمن كثر فيه خونة العهود.

أنعى إليكم وفاة المشير عبدالرحمن سوار الذهب.

(2)

أفلام الجرائم الغامضة تجذب المشاهدين بأحداثها المتلاحقة السريعة التى يتخللها العنف والإثارة وتترك للخيال العنان، على عكس أفلام السيرة الذاتية للعظماء؛ حيث تلتزم بالواقع الضيق مهما كان رحبا. السينما تعكس الواقع. ما يحدث على الشاشة حدث بالفعل مع الاختفاء الغامض للكاتب الصحفى السعودى جمال خاشقجى إثر دخوله قنصلية بلاده فى إسطنبول. الخبر تحول للحدث الأكثر إثارة وجدلا فى 2018. مصيره ظل محل شائعات، حتى صدر بيان للنائب العام السعودى الذى أكد مقتله على يد عدد من أبناء جلدته فى مقر القنصلية، ولكنه لم يجِب عن مصير جثته.

مقتل خاشقجى سيكون له تبعات ومن أهمها التأثير على صورة الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد، كقائد إصلاحى وتقدمى. وأعتقد أنه سيعاد ترتيب البيت السعودى. كان هناك خبر وفاة آخر، لم يهتمّ به الإعلام العربى الاهتمام المستحق رغم عظمة المتوفى، وهو المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذى وافته المنية فى المستشفى العسكرى فى الرياض، ونقل بطائرة خاصة ليدفن فى المدينة المنورة، بناءً على وصيته. هذا الرجل نموذج نادر فى عالمنا العربى، لم يتمسك بالسلطة، حين أتته طواعية، ولم يتراجع عن وعده بتسليمها لأول حكومة منتخبة بعد عام من رئاسته للمجلس العسكرى الذى حكم السودان بعد الانقلاب على الرئيس السودانى الأسبق جعفر نميرى عام 1985.

فى تصريحات للمشير سوار الذهب قال إن القرار الذى اتخذه عندما كان قائدا للجيش، بإقصاء الرئيس السودانى نميرى، فى الرابع من إبريل 1985، توصل إليه بعد أن تأكد له كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، بأن نميرى بات لا يملك شعبية، ولأجل حقن دماء السودانيين قام بما أملاه عليه ضميره دون رغبة فى الاستئثار بالسلطة أو الحصول على غنيمة ولكن حتى لا تدخل السودان فى دائرة الفوضى، بعد توليه الحكم باعتباره رئيس المجلس العسكرى الحاكم للبلاد وعد بتسليم السلطة لأول حكومة منتخبة بعد المدة التى حددتها الأحزاب والقوى السودانية الفاعلة بعام، بعدها اعتزل المشير المناصب والسياسة وترأس منظمة الدعوة الإسلامية كأمين عام لمجلس الأمناء فى السودان.

(3)

هل يمكن أن نفهم زهد سوار الذهب دون العودة إلى جذروه، لنتأمل كيف نما هذا الغرس الطيب الذى أثمر هذا الاستغناء؟!

ينتمى المشير إلى أسرة سوار الذهب التى تمتد جذورها إلى العباس بن عبدالمطلب، عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جده الشيخ محمد عيسى سوار الذهب خرج من مكة إلى شمال أفريقيا حتى الأندلس، ثم عاد إلى مصر، واستقر فيها بعض الوقت فى أسوان، ثم انتقل إلى شمال السودان فى دنقلا، حيث أسس مسجده ومعهده الدينى وكرس حياته لنشر القرآن وتعاليمه منذ ذلك التاريخ أى قبل 500 سنة تقريبا، وأسرته تعمل فى نشر القرآن، حيث استقر بها المكان، وكذلك كان والده. والطبيعى أن يحن المشير إلى مواصلة مسيرة أسلافه فى الدعوة.

(4)

التقيت بالمشير سوار الذهب فى مؤتمر الأزهر للسلام، المنعقد فى إبريل عام 2017، وكان لى حديث قصير معه حول آفاق العلاقة بين مصر والسودان، حينذاك كان هناك بعض الإعلاميين المصريين يهاجمون السودان لأنها منعت صحفيين مصريين من دخول أراضيها دون تأشيرة، وكان سوار الذهب يجد أن مثل هذه المعالجات الإعلامية تسىء للعلاقة التاريخية بين البلدين الشقيقين ومبدأ المعاملة بالمثل، شعرت حينها بحكمة هذا الرجل وتعقله من حسن اختياره لكلماته بدقة وتأنٍ، ولاحظت أنه لا يفرط فى الحديث كغيره من الرجال الذين كانوا يوما فى دائرة الضوء، حديثه كله عن المستقبل لا يرد فيه ذكرا لماضٍ كان جزءا منه.

«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً».

نقلًا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من البدلة العسكرية إلى عباءة الزهاد من البدلة العسكرية إلى عباءة الزهاد



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon