بقلم : مي عزام
(1)
فى البداية، أهنئكم جميعا بعيد الأضحى المبارك.. الأعياد مواسم للفرحة وكسر العادة، يشعر فيها الفرد بالانتماء للجماعة التى يحتفل معها بالعيد وبدفء لمة العيلة، مشاعر نفتقدها وسط الحياة اليومية التى تستهلكنا.
(2)
من أول أغسطس، قررت التوقف عن المشاركة على صفحتى على «فيس بوك» لمدة شهر، كنت أريد أن أكسر قيد العادة، من ليس لديه حساب نشط على مواقع التواصل الاجتماعى لن يشعر بأزمة، وكذلك من لا يعتبر مشاركته على هذه المواقع جزءا من نشاطه اليومى، أما أمثالى، من الذين يعتبرون مشاركتهم على مواقع التواصل الاجتماعى جزءا من نشاطهم اليومى ومتنفسا للتعبير عما يدور بخلدهم دون رقابة أو قيود، بالإضافة إلى معرفة كل جديد يحدث حولنا، فالأمر صعب عليهم.
مواقع التواصل أصبحت بديلا للصحافة الشعبية، وتفوقها فى السرعة والانتشار، وإن كان يعيبها عدم التحقق من صحة الأخبار المتداولة، ونشر شائعات لا أساس لها من الصحة أحيانا، مع الوقت يستطيع الكائن «الفيس بوك» أن يكون اختياراته ومتابعاته وفق قناعاته الشخصية وأسلوبه فى التفكير ورغبته فى المشاركة، هذه الحرية وذلك التنوع لا يتوافران فى الإعلام المصرى المرئى والمكتوب الذى لا يقدم إلا وجبة واحدة مكررة.
(3)
نسبة كبيرة من المصريين لا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى كمنتدى لدائرة الأصدقاء والأقارب، بل يعتبرونه منصة تعبير عن الآراء السياسية والاجتماعية والتعليق على الأحداث الجارية، مواقع التواصل بحر بلا ضفاف فيه الغث والسمين، ولكنه فرصة رائعة لكتاب مغمورين لديهم ثقافة متميزة ولغة سرد وتحليل ممتعة، تفوق الكثيرين من الكتاب فى الصحف الكبرى، هؤلاء استطاعوا أن يجدوا لأنفسهم مكانة فى مجتمع الشهادات والوساطة، وتكريما حقيقيا من متابعيهم، أغناهم عن الوقوف فى طابور الراغبين فى النشر فى الصحف والمواقع.
(4)
عدت إلى الفيس بوك بعد غياب 20 يوما، افتقدت فيها وجودى بين الأصدقاء، بعضهم أعرفهم شخصيا وأغلبهم صداقة اختيارية فى واقع افتراضى تحول لحياة ديناميكية مليئة بالتفاصيل، فترة التوقف جعلتنى أدرك أن الحياة لا تتوقف على شخص، مهما كان مؤثرا، هناك دوما بديل.
امتحان الغياب جعلنى أتأمل تأثير مواقع التواصل الاجتماعى، وأظنها أصبحت مهمة للتوازن النفسى للمصريين، بعد انسداد مسار المشاركة، عبر وسائل الإعلام الرسمية. حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعى رغم وجود تجاوزات ضرورية للتنفيس فى مجتمع تعرض لتقلبات وضغوط عدة، وتطبيقا لضرورة وجود زر تنفيس فى قدور الطهى بالضغط.
(5)
المصريون استبدلوا بالنكتة السياسية «البوستات» الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى. كل رؤساء مصر كانوا يغضون الطرف عن هذه النكات التى لم نعرف يوما كاتبها الأصلى، ولم يسع نظام لتتبعه واعتقاله.
الآن أجهزة التنصت والرقابة الحديثة يمكن بسهولة أن تصل لصاحب أى موقع أو صفحة على الإنترنت، قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية سيكون له أثر بالتأكيد فى تقليص مساحة الحرية المتاحة على مواقع التواصل، وسيتم من خلاله ملاحقة الآلاف بتهم عديدة.. فهل هذا ما نريده؟
(6)
الضرورات تبيح المحظورات، قاعدة فقهية معروفة واجبة التطبيق مع المصريين الذين تعرضوا لموجة غلاء غير مسبوقة، أثرت فى حياة الأغلبية وسببت لهم ضغوطا كبيرة.
التنفيس هنا ضرورة وليس رفاهية، هناك حدود وقيود على حرية التعبير فى العالم كله، لكن التحدى الحقيقى لأى نظام حكم فى ألا يشعر الشعب بها.
وكل عام وشعب مصر الطيب بخير وأمان.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع