بقلم : مي عزام
(1)
الثورات نوع من أنواع الحراك الاجتماعى، يسعى المجتمع من خلالها للوصول إلى حلول لأزماته وتعديل أوضاعه التى أصبحت لا تلائمه. حركة الضباط فى يوليو 1952، فقد أحدثت تغيرات جذرية فى المجتمع، جعل توصيفها بالثورة هو الأقرب إلى الواقع، حيث انتقل المجتمع المصرى من مجتمع إقطاعى بمفاهيمه وتركيبته الاجتماعية إلى مجتمع اشتراكى يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتوسيع رقعة الفرص المقدمة لعامة الشعب، وجعل العمل والعلم معيارا للترقى، وليس الثروة المتوارثة، فيلم الأيدى الناعمة كان تجسيدا لفكر الثورة والتحول الاجتماعى، قدم «حسين» المهندس ابن العامل كنموذج ناجح فى مقابل «البرنس» الفاشل الذى عبرعن أفول طبقة لفظها المجتمع.
(2)
نجح قادة يوليو فى إحداث تطور اجتماعى واقتصادى، ولكنهم أخفقوا فى الجانب السياسى، هدموا البناء الحزبى القائم قبل وصولهم إلى سدة الحكم، ولم يشيدوا على أنقاضه بناء سياسى جديد يسمح بالتعددية والمعارضة وتداول السلطة، ومنذ ذلك الحين ومصر تعانى من هذا الإخفاق الذى يزداد الإحساس به بسبب عدم ملاءمته للعصر. هزيمة 67 كانت نتيجة طبيعية لعدم رغبة النظام الحاكم فى وضع قواعد للمشاركة السياسية والرقابة الشعبية عن طريق مجالس الشعب المتعاقبة، واكتفت بمشاركات صورية تحت السيطرة. الخروج عن مسار الثورة والحكم الرشيد وصل بنا إلى 67 التى لم تكن هزيمة عسكرية فقط، لكن هزيمة مجتمع شعر أنه تم التغرير به بكم هائل من الأكاذيب فقد معها ثقته بقيادته السياسية.
(3)
التحولات التى صاحبت هزيمة 67 جعلت المجتمع لمصرى مستعدا لمفاهيم عصر الانفتاح الاستهلاكى الذى بشر به السادات، ولعل فيلم «انتبهوا أيها السادة» هو الأكثر تعبيرا عن هذه المرحلة التى تراجعت فيها قيمة العلم والعمل بهزيمة وانكسار «جلال»، أستاذ الجامعة، أمام نموذج «عنتر»، جامع القمامة الثرى الجاهل، دخلت مصر منعطفا خطيرا، إلى جانب تراجع مكانة مصر عربيا، بعد معاهدة كامب ديفيد، كل ذلك أدى إلى هشاشة قيم المجتمع، ما جعل من السهل تأثره بالقيم السلفية الوافدة إلينا عبر ملايين العمال العائدين من الخليج بمختلف مستوياتهم التعليمية.
(4)
فترة حكم مبارك كانت ترسيخا للمفاهيم التى سادت فى المرحلة الساداتية، لكن مع إضافة متغيرين مهمين: أولهما زواج المال بالسلطة، والثانى صعود تيار الإسلام السياسى وتأثيره نتيجة غياب الأحزاب المدنية القوية ذات التأثير فى الشارع، وفيلم «طيور الظلام» يعبر بدقة عن هذه الفترة، وهو ما أدى إلى ركود فكرى، وأصبحت العشوائية أسلوب حياة، وتحولنا إلى مجتمع الأشلاء كما وصفه السيسى. لم تكن ثورة يناير إلا رفضا شعبيا لما هو كائن ومحاولة لإيجاد حل لأزمات المجتمع المتراكمة التى أصبحت عائقا وعقبة أمام تطور مصر.
(4)
لو أردنا الآن أن نقدم عملا دراميا يعبر عن المرحلة التى نعيشها فماذا نختار؟ قد يمثل مسلسل «الأسطورة» ذلك، حيث يمثل الشاب «ناصر» غياب العدالة والمعايير، حيث يصبح الشارع ملكا لمن يحمل مسدسا ورزمة من الأوراق المالية. هنا يجب أن نستشعر الخطر، وعلينا سرعة التفكير فى النموذج الذى نرغب فى تعميمه فى المجتمع، والبعد عن تسطيح الفكرة كما نراه حولنا، فالطبيب القدوة ليس من يردد النشيد الوطنى وقسم أبوقراط، لكنه الطبيب الماهر الأمين، والنائب البرلمانى القدوة ليس من يصوت لصالح الحكومة فى هدوء، لكن المدافع الشرس عن مصلحة الشعب الذى أولاه ثقته، والمواطن القدوة ليس من يرضى بالواقع، ولو كان مرا وعلى غير ما يؤمن به، ولكن من يحاول أن يغيره بالفعل السلمى والقول الرشيد والقلب الرافض، وهذا أضعف الإيمان.
ونجاح أى نظام حكم واستقراره مرهون بإطلاق منظومة قوانين تلائم متطلبات الشعب وتحقق طموحاته، وتقدم له نموذجا صالحا للتكرار وضروريا لتحقيق التنمية والتطور المنشود مع الحرص على قيم المجتمع بعد تنقيتها وبلورتها.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع