بقلم : مي عزام
أتابع بشغف أفلام الخيال العلمى الهوليوودية، والتى يغلب عليها وجود الروبوت والذكاء الاصطناعى، وكنت أعتبرها خيال فنانين استطاعوا أن يجسدوه عبر التقدم التقنى المذهل فى المؤثرات الخاصة واستخدام الكمبيوتر فى صنع مشاهد تبدو واقعية للغاية، ولكن منذ سنوات قليلة تبين لى أننى أشاهد المستقبل قبل أوانه وكأننى أنظر من خلال البلورة المسحورة. العالم مشغول بالحديث عن الذكاء الاصطناعى وما سيحدثه من تطور مذهل ودخولنا عصر الأتمتة. الدول المتقدمة تعقد المؤتمرات والندوات لمناقشة هذه الثورة العلمية التى ستغير وجه العالم، والذى انقسم حولها العلماء، فمنهم من يعتبر الذكاء الاصطناعى أهم اختراع للإنسان منذ وجوده على كوكب الأرض، وأن تطبيقه سيوفر الوقت والجهد وسيجد حلولا للمشاكل الإنسانية ليجد الناس وقتا للاستمتاع بالحياة، والبعض الآخر يراه الخطر الأكبر الذى سيهدد الإنسانية، ولقد حذر منه العالم الفيزيائى ستيفن هوكنج الذى يجد أن التنمية البشرية للذكاء الاصطناعى سيؤدى إلى تفوق الآلة على البشر فى النهاية.
(2)
الذكاء الاصطناعى سيحل محل البشر فى الكثير من المجالات بعد سنوات قليلة، دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي أوكسفورد البريطانية وييل الأمريكية كشفت أن هناك احتمالًا بنسبة 50% بأن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في جميع المجالات خلال 50 عاما، ومن المتوقع أن يكون قادرًا على تولي كافة الوظائف البشرية خلال قرن من الآن. ووفقًا للدراسة فإن الآلات ستتفوق على البشر فى: ترجمة اللغات بحلول عام 2024، وقيادة عربات النقل بحلول عام 2027، والعمل فى المتاجر في 2031، وفي إجراء الجراحات بحلول عام 2053، الدراسة أشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي يحسن قدراته ويطور أدائه، الإنسان يحتاج لسنين للتعلم واتقان مهنة، فى حين أن الآلة لا تحتاج سوى سويعات للتعلم وإتقان عملها دون أخطاء.
(3)
كيف سيواجه الإنسان الذكاء الاصطناعى الذى اخترعه ؟، الفرنسى لوران ألكسندر طبيب متخصص في جراحة الأعصاب، يكتب فى الصحف والدوريات، نشر كتابا بعنوان: «حرب الذكاءات، الذكاء الاصطناعي في مواجهة الذكاء البشري»، من بين فصوله ، تحدث عن التعليم المستقبلى ودوره، يرى الكاتب أن التعليم اليوم يهيئ الطلاب لمهن وأعمال كانت موجودة في القرن الماضى ولا يهيئهم لعالم الغد. وهذه المدارس لن تكون قادرة على إعدادهم لسوق عمل تنافسية في مواجهة الذكاء الصناعي، الذي سيكون سائدًا حين يدخلون سوق العمل مع حلول منتصف القرن الحالى. أنه يطرح أفكارا لا تخطر ببالنا ولا نناقشها فى مصر فمازلنا فى مرحلة الأمية التعليمية.
(4)
يقول لوران ألكسندر فى كتابه إن غالبية الدراسات الحالية تعد الطالب لمهن ترتبط بالبرمجة والمحاسبة وما شابه ذلك، لكن هذه المهن ستختفي في وقت قريب بفضل الآلات الذكية، وهو ما يتطلب من المؤسسة التعليمية إعداد الطلاب لمهن لا تستحوذ الآلات عليها ولا تتفوق فيها، ويعتقد الكاتب أن على المدرسة أن تعلم الطلاب كيف يستخدمون عقولهم البيولوجية لمنافسة الذكاء الاصطناعي وأداء دور مكمل له.
ويطرح الطبيب الفرنسي اقتراحات تبدو مفيدة ومنها تعليم الأطفال تعدد الاختصاصات، وتعليم الكبار الانفتاح على التطورات التكنولوجية، لمساعدتهم على مواكبتها، والتركيز على المهن، التي لا يمكن للآلة أن تحل فيها محل العقل البشري والتى تحتاج إلى مشاعر وحس إنساني مثل العلاج النفسى، الفنون، دراسة التاريخ والآداب.. إلخ، وأهم شىء يركز عليه الكاتب أن تحث المدرسة التلاميذ على القراءة الموسوعية، فالمعارف العامة ستكون مفيدة جدا لمنافسة الذكاء الاصطناعى المبرمج على تخصص محدد.
(5)
هوليوود صاحب السبق والفضل فى تحويل فكرة الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته إلى واقع عبر أفلام مرتفعة التكلفة قامت بإنتاجها، وارتكزت فيها على أبحاث العلماء ومشروعات المستقبل.
فيلم اليزيوم (النعيم أو الجنة) إنتاج 2013 يتعرض لمستقبل الإنسانية، وكيف سيتم تقسيم البشر إلى فئتين: أسياد يعيشون فى النعيم فى الفضاء، وعبيد يعيشون أوضاعا مزرية على كوكب الأرض حيث يفتك بهم الفقر والمرض، ودورهم ينحصر فى العمل فى مصانع الأسياد، يديرهم ويراقبهم ويعاقبهم، ماكينات ليس لها قلب ولا تعرف استثناءات، بعد مشاهدتى الفيلم شعرت بغصة، وسألت نفسى: فى أى فئة سيكون المصريين؟
(6)
لم نعتد التفكير فى المستقبل أو حتى تخيله، فنحن غارقون فى الماضى والحاضر على أكثر تقدير، وسأحاول أن أكون واقعية وأعرض مقترحا لن يكلف الدولة شيئا، وهو أن تحرص الدولة أن يكون فى خريطة البرامج فى كل القنوات المصرية، ومعظمها الآن تابع للدولة، علمية وثقافية.. لعلنا نفوز بأضعف الإيمان، أن لم نشارك فى صنع المستقبل، فعلى الأقل نكون على دراية به حتى لا يفاجئنا الأمر، مثلما حدث فى حملة نابليون على مصر، حين حاربنا بالسيوف واستخدم الفرنسيون البنادق والمدافع.
نقلا عن المصري اليوم