بقلم : مي عزام
(1)
فى مطلع الشهر الحالى، ألقى الرئيس السيسى كلمة أمام مجلس النواب بمناسبة أداء اليمين الدستورية مع بداية ولايته الثانية، وتحدث عن أن بناء الإنسان المصرى على رأس أولويات الدولة خلال المرحلة القادمة، وأضاف أنه يجب أن يعاد تعريف الهوية المصرية بعد محاولات العبث بها.
لا أعرف على وجه الدقة ماذا كان يقصد السيسى بمحاولات العبث بها: هل يقصد فترة حكم مرسى، أم قبل ذلك؟
فلا يمكن أن يحدث تغيير يذكر فى الهوية خلال فترة زمنية قصيرة، فحدوث تشوهات فى الهوية يحتاج إلى عقود طويلة، لكن فى كل الأحوال نحن بالفعل نحتاج لتعريف الهوية المصرية، والتعرف على جوهر شخصيتنا، حتى يمكن أن نعالج السلبيات ونعظم الإيجابيات على ضوء الهدف الذى نسعى إليه وهو على ما أعتقد وضع سليم قيم يكون مرجعا ومعيارا، يحكم الأمة ويحافظ على تماسكها وانسجامها، وفى نفس الوقت يحقق القدرة على التنمية ومواكبة العصر دون تخلٍ عن جوهر البلد وهويته.
(2)
منذ عدة أيام كتبت: ما الشىء الذى لا يستطيع المصرى الاستغناء عنه؟ على صفحتى بـ«فيس بوك» و«تويتر»، تعددت الإجابات، بعضها اتسم بالسخرية من الذات، وهى حيلة يجيدها المصرى، ويخفف بها من وقع الهزائم والانكسارات عن نفسه، والبعض الآخر حاول الإجابة لكن بشكل شخصى.
لم يكن لدى إجابة نموذجية عن السؤال، ولم أسعَ إليها، كنت أريد حث الأصدقاء والمتابعين على التفكير والتأمل فى قائمة أولوياتنا وجوهر كينونتنا، لنصل إلى المشترك بيننا كشعب، معرفة المشتركات يمكن أن تصل بنا إلى جوهر الهوية المصرية، تعظيم ما بيننا من مشتركات والتأكيد عليها سيضع نقاط الاختلاف فى حجمها الطبيعى، ولن تصبح مثار نزاع بيننا. مصر بحاجة لطرح الأسئلة أكثر مما تحتاج لترديد إجابات مصنعة وجاهزة.
(3)
بعد هزيمة 67، لفت انتباه د. سيد عويس، عالم الاجتماع النابه، ظاهرة انفردت بها مصر دون غيرها من البلدان، وهى الكتابة على المركبات بمختلف أنواعها، وظل يدرس هذه الظاهرة على مدى 3 سنوات تقريبا من سبتمبر 67 حتى أغسطس 1970، وبعد عام نشر الدراسة فى كتاب عنوانه: «هتاف الصامتين»، وجد عويس أن هذه العبارات التى اختار أصحاب المركبات أن يكتبوها بكامل إرادتهم تمثل رسائل أرادوا أن تصل للآخرين فى صمت، واعتبر ذلك إعلاما شعبيا موازيا للإعلام الرسمى.
الآن هناك انتشار واسع للإعلام الشعبى على مواقع التواصل الاجتماعى ويوتيوب، وهتافات من هذا النوع، لكنه ليس صامتا، بل هو أشبه بصراخ المأزوم الذى لا يجد من يستمع إليه، وينقذه من محنته، هذه المنصات تمثل إعلاما شعبيا واسع الانتشار والتأثير، نتيجة التطبيقات الحديثة، لكنها لا تجد علماء من أمثال د. سيد عويس لدراستها وتحليلها، لمعرفة التحولات الكبيرة التى حدثت فى مصر، وخاصة بعد ثورة يناير.
(4)
د. جلال أمين، رغم أن تخصصه الاقتصاد، وليس علم الاجتماع، استطاع بفطنته ونباهته أن يرصد عددا من الظواهر فى المجتمع المصرى على مدى نصف قرن من 1945 – 1995، نشرها فى مقالات جمعها فى كتابه الشهير: ماذا حدث للمصريين؟ حاول فيها أن يتعمق فى التحولات التى حدثت فى المجتمع وأسبابها.
منذ 1995، حتى الآن، مرت على مصر تحولات كبرى، ثورة المصريين، تنحى وعزل رؤساء، تغيرات إقليمية ودولية، وأزمات اقتصادية طاحنة. كل هذا أثر على المجتمع المصرى بالسلب والإيجاب، لكننا لم ندرسه. حتى نستطيع أن نعيد بناء الهوية المصرية لا بد أن تكون هناك دراسات علمية جادة، تصل نتائجها إلى أصحاب القرار وتوضع تحت أعينهم، كما حدث فى عهد عبدالناصر الذى تأثر بدراسة د. سيد عويس عن الرسائل المرسلة إلى الأمام الشافعى، بل استجاب لرسالة منها.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع