توقيت القاهرة المحلي 03:55:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفئران.. والأمل

  مصر اليوم -

الفئران والأمل

بقلم : مي عزام

 «مفيش فايدة» عبارة مبهمة، أصبحت مصطلحا نستخدمه كلما واجهنا وضعا صعبا لا أمل فى تغييره، أحيانا أجد مثل هذه العبارات فى تعليق قراء على بعض مقالاتى: «لا تتعبى نفسك.. لا حياة لمن تنادى.. لسه عندك أمل؟!». نعم، مازال عندى أمل، أعترف بأن اليأس يتملكنى أحيانا لكن ينتصر الأمل، أسترجع الأمل من قراءة التاريخ والتدبر فى أحوالنا، ليس كل ما اعتدنا ترديده صحيحا، فلا سعد زغلول قال «مفيش فايدة» تعقيبا على أحوال مصر السياسية وهو على فراش المرض، ولا الشعب المصرى خسر معركته مع التغيير، ولا النظام سيطر رغم أنه تجبر، لكنه حال الدنيا: صراع دائم بين الساكن والمتغير، بين القلة المستنيرة الثورية والأغلبية الساكنة المستسلمة بحكم العادة أو الجهل.

(2)

فى سلسلة أفلام «ألعاب الجوع» الشهيرة، تصبح اللاعبة «كاتنيس إيفردين» مصدرا للأمل، لأنها استطاعت أن تكسب تعاطف الجمهور رغم تمردها على قواعد اللعبة التى لا تسمح إلا بنجاة لاعب واحد وهى رفضت أن تقتل زميلها لتنجو بنفسها، لمس الرئيس سنو (الذى أحكم سيطرته على المقاطعات وأحبط بالقوة المسلحة كل محاولات التمرد على سلطته المركزية) خطر كاتنيس وبذرة الأمل التى حملتها وهى لا تُقتلع بسهولة، وتعين الناس على تحمل مشاق الوصول إلى أهدافهم. قرأت من فترة عن تجربة معملية أجراها باحث على مجموعة من الفئران، وضع كلا منها فى إناء زجاجى كبير ممتلئ لنصفه بالماء وكان الإناء زجاجيا، ليكون سطحه أملس ولا يستطيع الفأر التعلق بمخالبه على جداره، وتم حساب الوقت الذى يستمر فيه كل فأر فى محاولة الخروج قبل الاستسلام للغرق، كان هناك اختلاف بين كل فأر وآخر، لكن فى المتوسط كان الفأر يحاول لمدة 15 دقيقة تقريباً ثم يستسلم للغرق، قام الباحث بإعادة التجربة لكن مع بعض التغيير، عندما يرى الفأر فى لحظاته الأخيرة وعلى وشك الاستسلام يقوم بإخراجه من الإناء وتجفيفه ثم يتركه ليستريح لبعض الوقت قبل أن يضعه مرة أخرى فى الإناء، أعاد التجربة مع كل الفئران ثم حسب متوسط الوقت فى المرة الثانية. والمدهش أن فى المحاولة الثانية استمرت الفئران لساعات وليس دقائق قبل الاستسلام للغرق!!، الفئران فى المحاولة الأولى فقدت الأمل بسرعة بعد أن تأكدت أنه لا سبيل لنجاتها، لكن فى المرة الثانية كان لديها خبرة سابقة بوجود أمل، فى أى لحظة قد تمتد لها يد العون لتنقذها فاستمرت لفترة أطول أملاً فى تحسن الظروف.

(3)

هل عقل المصريين قاصر عن استشعار الأمل!، رغم أنهم مروا بثورتين أثبتتا لهم أنهم فاعلون ومؤثرون، لعل قارئا يقول: فى الحالتين كان الجيش يحمى اختيار الشعب والظروف تغيرت الآن، وهنا أقول: لسنا بحاجة لتكرار سيناريو الثورة والمظاهرات فى الشوارع، لكن علينا أن نحافظ على الأمل فى نفوسنا، ولا نستهين بالتغيرات التى حدثت بالفعل، فهى جذرية لكنها بطيئة. بعضنا يشعر بأن هناك أجهزة أمنية تابعة للنظام تراقب مواطنين، ولكن فى المقابل الشعب أيضا يراقب النظام ولديه منصاته الشعبية. حجب المواقع ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعى والتنصت على شخصيات عامة وتقييد حرية التعبير والتخوف من المعارضة ليس له إلا معنى واحد: أن الأمور لا تسير هينة كما كانت فى الماضى، وأن المخاوف والهواجس عند الطرفين: النظام والشعب، وأن المشكلة الحقيقية أنهما لم يصلا إلى صيغة صالحة وتوافقية للحكم، النظام يريد أن يحكم على قديمه متناسيا التراكم الثورى الذى حدث، والشعب، أو بعضه، متمسك بتحقيق أهداف ثورته وإحداث تغييرات جذرية فى الحكم تصب فى صالح عموم المصريين. إنه الصراع بين القديم والجديد، ولم يحدث فى التاريخ أن انتصر القديم البالى على الجديد الفتى، حتى وإن حدث نكوص فى فترات فإنها تكون مؤقتة، ويتغلب القادم على البائد بقيمه الجديدة الأكثر ملاءمة للعصر.

(4)

كل مخلص لهذا الوطن يسعى لوقف محاولات استنساخ أنظمة عرفتها مصر فى تاريخها وثبت فشلها ورفضها الشعب، ليس حبا منه فى المشاغبة أو محاولة لتشويه ما تم من أعمال أو إنجازات أو لهدم الدولة كما يردد البعض، ولكن بهدف تأسيس وطن يتسع للجميع، وأن تكون دولتنا عصرية تحترم الدستور والقانون، ومؤسساتها تخدم المواطن لا نظام الحكم، وتعمل على تحسين حياته وليس التسلط عليه. العامل المشترك فيما حدث فى العراق، سوريا، ليبيا، واليمن، هو فساد الأنظمة واستبداد الحكام وغياب العدالة والمساواة بين المواطنين وتداول السلطة بصورة ديمقراطية. أعفى الله مصر من السقوط فى هذا المصير لأن جيشها وطنى وشعبها واعٍ انتصر لمصلحة الوطن وكيان دولته الموحدة منذ الآف السنين.

وعلى هذا الشعب واجب ومسؤولية: التمسك بالأمل فى التغيير، الذى سيحدث ولو بعد حين بمواصلة السعى مهما كانت العقبات.. دام شعب مصر حرا كريما.

نقلا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفئران والأمل الفئران والأمل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon