بقلم - مي عزام
(١)
فى شهر ديسمبر، أحرص على إجراء مراجعة نهاية العام، أتأمل مجريات الأمور وردود أفعالى حيالها، وفيما نجحت، وفيما أخفقت، هذه المراجعة تفيدنى فى استقبال العام الجديد بأمل التغيير إلى الأفضل. أبنى خريطة تقديرية للعام القادم. أحدد فيها ما يجب تفاديه حتى لا أكرر الأخطاء، وقائمة الأولويات التى يجب التمسك بترتيبها والقشور التى لا داعى للحرص عليها. وفى النهاية أدرك أن حياتى لاتهم غيرى وأفراد أسرتى، فدائرة نفوذى وتأثيرى صغيرة، لكن فى حالة المسؤولين والحكام الأمر يصبح ذا أهمية كبيرة، فدوائر تأثيرهم ونفوذهم بحكم مواقعهم ضخمة، نجاحهم وفشلهم لا يعود عليهم وحدهم، ولكن على قاعدة كبيرة تتأثر حياتهم بقرارات هؤلاء.
(٢)
أطماع هتلر وإحساسه بالتفوق لم يكونا أمرا شخصيا يخصه، بل دفعت القارة الأوروبية كلها ثمنه دمارا هائلا وملايين القتلى. ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية راجعت نفسها، وكان السؤال المطروح: كيف نحول دون ظهور زعيم مثل هتلر يجر البلاد والعباد لدمار شامل؟
نجحت ألمانيا فى الإجابة، وبدأت من نقطة جديدة سمحت لها بالاستقرار والتنمية والريادة.
بعد خسائر مصر الضخمة فى حرب اليمن مطلع ستينيات القرن الماضى، ثم هزيمة 1967، هل حدثت مراجعة حقيقية لما حدث ولماذا حدث؟
هل وضعنا ضوابط للحاكم، وأوجدنا قواعد راسخة لمراجعة قراراته ومناقشته فى رؤيته، أم تركنا الأمر للرئيس؟.
(٣)
العالم اليوم، يموج بمتغيرات هائلة انتظارًا لولادة نظام عالمى جديد تتجرد فيه أمريكا من منصب القطب الأوحد، وأثناء ذلك تئن الشعوب تحت وطأة النيوليبرالية التى تتحكم فى مصائرهم بلا قلب ولا رحمة وبموافقة غالبية زعماء العالم.
ربما يكون أفضل تعريف للنيوليبرالية كنظام بديل عن الأيديولوجيات التى انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتى وإعلان نهاية التاريخ، يأتى على لسان الأكاديمى، ويل ديفيز، من كلية جولد سميث جامعة لندن، فهو يسميها «خيبة الأمل فى السياسة بالاقتصاد»، ويعنى بذلك إدخال منطق السوق فى جميع أشكال الحياة الاجتماعية بالقوة، مما حدّ من نطاق الاختيار السياسى إلى حد كبير.
والنتيجة أن غطاء الأمان رُفع من على رؤوس الطبقات الوسطى والفقيرة، وأصبحنا نعيش فى عالم بلا قوام ثابت، بل فى حالة سيولة، وصفها عالم الاجتماع زيجمونت باومان فى كتبه، وطالت كلّ مناحى الحياة.
(٤)
مظاهرات أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا عبرت عن حالة عدم الأمان، وكانت غضبة شعبية غير مسيّسة، رفضا للظلم الاجتماعى. زيادة سعر المحروقات لم تكن سوى القشة التى قصمت ظهر البعير. العنف والتدمير الذى أحدثته المظاهرات فى باريس لا يقل عن أثر العمليات الإرهابية، رغم اختلاف الأسباب والأهداف، فهل سيراجع الرئيس الفرنسى قراراته مع نهاية العام، ولقد أوشك رصيد شعبيته عند الفرنسيين على النفاد، أم أنه سيظل وفيا لفكر وتوجهات أصحاب البنوك ورؤوس الأموال الذين عمل بينهم، وكانوا وراء صعوده السريع ووصوله إلى قصر الإليزيه؟!
(٥)
الواقع يقول إن الرئيس الفرنسى ليس وحده الذى يجب عليه مراجعة قراراته، بل ربما زعماء العالم أجمع، وفى مقدمتهم الزعماء العرب، أغلب بلدان العالم العربى تعانى أزمات اقتصادية وسوء أحوال معيشية. ثروات العرب لا تدار بنجاح وحرفية وحكمة، بل يُهدر جزءٌ كبير منها نتيجة الدخول فى حروب وصراعات بين بلدانه وبين أبناء البلد الواحد بسبب تدخلات خارجية، وهذا نتيجة عدم وجود آليات مراجعة لقرارات النظم الحاكمة، وكذلك عدم مراقبة السلطة التنفيذية، أضف إلى ذلك التضييق على حرية التعبير وملاحقة المعارضين بشتى الوسائل.
(٦)
أتمنى من الله أن يوفقنى فى مراجعة 2018، وبنفس النية الخالصة أدعوه أن يوفق الحكام العرب لما فيه خير شعوبهم.. فقدرة الشعوب على تحمل الضغوط والأعباء وسوء الإدارة والظلم والصلف ليست رهانًا ناجحًا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع