توقيت القاهرة المحلي 11:31:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثورة الزراعية فى مصر

  مصر اليوم -

الثورة الزراعية فى مصر

بقلم : د. عبد المنعم سعيد

 من قبيل التكرار أنه فى مصر جرت تاريخيا الثورة الزراعية التى غيرت تاريخ الإنسانية فكان لها من الأثر ما حققته فيما بعد الثورة الصناعية بحلقاتها المتوالية منذ الآلة البخارية حتى «الروبوت» و «الهيومانويد». هذه الثورات المتوالية أطالت عمر الإنسان وجعلته يعيش معيشة صحية أكثر من أى وقت مضي، ومنذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى فإن معدلات وفيات الأطفال تراجعت إلى نصف ما كانت عليه، وحدثت تراجعات هائلة فى أمراض مثل السل والملاريا وحتى الإيدز، وانخفضت حالات شلل الأطفال بنسبة 99%، وأصبح العالم على حافة إزالة أمراض معدية وهو ما حققه الانسان من قبل مرة واحدة فيما تعلق بمرض الجذام. ومن الأخبار السارة أن نسبة المصنفين باعتبارهم يعانون الفقر المدقع بين سكان العالم قد تراجعت من 35% إلى 11%.

فى مصر حدث الكثير من التقدم خلال العقود الماضية فى انخفاض وفيات الأطفال وارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد، ولكن ليس معنى ذلك أن كل الأخبار سارة ،سواء كان ذلك ما تعلق بمصر أو بالعالم فى مجالات الصحة والعمر. ولعل الهدف الرئيسى المطروح أمامنا دوما هو كيف نزيل «الفقر المدقع» من البلاد؛ وفى ذات الوقت نقلل من عدد الفقراء الذين بعد تراجعهم فى مطلع القرن الحالى عادوا مرة أخرى إلى الزيادة بشكل نسبى ومطلق أيضا. حزمة السياسات التى نسير فيها تدفع فى هذا الاتجاه، وهناك مشروعات بعينها تبحث عن تحقيق اختراق فى مجالات الصحة والتغذية؛ وفى الإنتاج الزراعى ربما كان مشروع المليون ونصف مليون فدان الأكثر شهرة، ولكن هناك الكثير من الأفكار المطروحة التى تسعى إلى تحقيق قفزات نوعية فى الزراعة من خلال الإصلاح الجذرى فى طرق الري، وفى اتباع أنواع جديدة من المنتجات ذات الفائدة للصحة العامة والتصدير.

ابيل جيتسب صاحب شركة مايكروسوفت الشهير، وواحد من أغنى أغنياء العالم، نشر مقالا فى دورية «الشئون الخارجية» ليس فى مجال الإلكترونيات الذى ظهرت فيه عبقريته وإنما فى مجال التنمية الكونية من خلال إعادة صياغة الجينات وما سماه Gene Editing الذى يمثل حزمة كبيرة من التكنولوجيات الجديدة التى دخلت مجال الإنتاج الزراعى والحيواني. وكما هو معروف فإن بيل جيتس وزوجته ميلندا شكلا معا مؤسسة جيتس التى عملت فى مجالات للتنمية فى العالم الثالث كان من أول أهدافها القضاء على مرض الملاريا فى العالم. إعادة صياغة «الجينات» فى النبات والحيوان يمكنها إحداث ثورة عظمى فى الإنتاج النباتى والحيوانى لا تجعل الإنسانية فقط تتخلص من المجاعات، وإنما تكون أكثر صحة ومقدرة. التقدم التكنولوجى الحالى فى مجال الجينات يجعل العلماء أكثر قدرة من أى وقت مضى على تشخيص الأمراض ومعالجتها ومحاربة العلل التى مازالت تعيق قدرة الملايين كل عام وبشكل خاص الفقراء منهم. ما لا يقل أهمية عن ذلك، والكلام لا يزال لجيتس، أن التكنولوجيات الحديثة تعطى الملايين من المزارعين القدرة على زراعة محاصيل وتربية الحيوانات الأكثر إنتاجية من اللحم واللبن والتكاثر.

ومن المحاولات الرائدة فى هذا الشأن تلك التى جرت فى مركز بحوث الجينات والصحة فى جامعة أدنبرة فى اسكتلندا حيث كان لأساليب إعادة صياغة الجينات أثر كبير على إنتاج الأبقار والدواجن. فارتفاع درجة الحرارة فى المناطق الأفريقية الاستوائية أدى إلى انخفاض إنتاجية الأبقار من اللبن ومنتجاته، رغم أن هذه ذاتها يكون لها إنتاجية مرتفعة فى المناطق معتدلة المناخ. التحكم فى جينات هذه الأبقار يجعلها قادرة على زيادة إنتاجياتها حتى تتجاوز تلك المعروفة فى البلاد المتقدمة الباردة. عمليات التخصيب الجينى تعطى الأبقار الإفريقية قدرات تزيد إنتاجيتها بمقدار 50%. وبنفس المنهج، فإن المحاصيل هى الأخرى تتغير إنتاجيتها بإعادة صياغة جيناتها بحيث تعظم من عمليات النمو، وتقلل الحاجة للأسمدة، وكيماويات مقاومة الحشرات، وتزيد من قيمتها الغذائية، وتجعل النبات أكثر صلابة فى مقاومة الجفاف. وبالفعل فإن هناك محاصيل كثيرة تحسنت نتيجة الصياغة الجينية فأصبحت لا تتعرض للعطب بسرعة مثل البطاطس، بحيث يمكنها تحمل فترات أطول من أجل التصدير، وبالنسبة لفول الصويا فإنه يولد زيوتا صحية. وبالنسبة لمصر فإن العلماء فى جامعة أكسفورد البريطانية استخدموا التكنولوجيا الجينية فى إنتاج أنواع جديدة من الأرز تسمى أرز C4 يعيد ترتيب الهياكل الضوئية فى أوراق النبات بحيث يستخدم أسمدة بنسبة أقل، كما أنه يجعل النبات قادرا على تحويل أشعة الشمس إلى غذاء، ورغم زيادة المحصول بشكل كبيرفإنه يستهلك كميات أقل من المياه.

كثير من هذه التطورات التكنولوجية تجد أصولها فى محاولات مبكرة للإنسان من خلال عمليات التلقيح فى النباتات والحيوانات؛ أما الجديد الذى تقدمه الهندسة الجينية هى أنها زادت من كفاءة المحاصيل الموجودة بالفعل، كما أنها أنتجت الكثير من المنتجات الدوائية «الطبيعية» مثل «الأنسولين» البشري، وكذلك الهرمونات والتطعيمات ضد الأمراض المختلفة. مثل هذه الثورة الزراعية الجديدة التى أشار لها وبحوثها ونتائجها بيل جيتس، نحتاج تفعيلها فى مصر بحيث تقودنا إلى ثورة زراعية شاملة تضاعف من نتائج التوسع الأفقى فى الزراعة عن طريق عمليات الاستصلاح بحيث يمكن الحصول على إنتاجية أكبر مما نحصل عليه الآن. ولعل الرئيس السيسى كان يقصد ذلك عندما أشار إلى أن مصر سوف تسعى لعمل 100 ألف صوبة زراعية تكون إنتاجيتها تماثل زراعة مليون فدان. ومن الجدير بالذكر أن هناك بالفعل محاولات مبكرة لمصر فى إنتاج أنواع جديدة من المحاصيل بما فيها القمح والقطن والفراولة والعنب وغيرها. ولكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر، ليس فقط لأن الزيادة السكانية تضعنا فى سباق صعب مع ما هو متاح من إنتاج الغذاء، وإنما أيضا لأنه مع كل ارتفاع فى مستويات المعيشة فإن استهلاك الغذاء تزايد، وفى كل الأحوال فإن الاستيراد يضع ضغوطا كبيرة على الإمكانات والقدرات المصرية حتى تتحول بسرعة إلى مزيد من الصادرات.

نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة الزراعية فى مصر الثورة الزراعية فى مصر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon