بقلم - عبد المنعم سعيد
تكون السياسة في أسوأ حالاتها عندما تقوم على خلط الأوراق والقضايا وتعمية المصالح الرئيسية تحت أغطية أخلاقية يعلم الجميع أنها ليست صلب القضية، وإنما وسيلة للهرب منها. ما يحدث حالياً في الكونغرس الأميركي، وبخاصة مجلس الشيوخ، من تناول قاصر للحرب الجارية في اليمن يقوم على تجاهل القضايا الأساسية في الموضوع. فلا أحد بات يعود إلى التطورات التاريخية للحالة اليمنية وكيف كان الانقلاب الحوثي على الشرعية، ولا أحد يريد النظر في قرارات الأمم المتحدة وسجلات الوساطة في القضية، ولا حتى هناك من الجدية ما يجعل ذكر إيران وما تقوم به إزاء الإقليم عامة واليمن خاصة من تحركات عدوانية، تسعى بقوة إلى الهيمنة والسيطرة كما هو حالتها في العراق وسوريا ولبنان. ما يجري عملياً هو خلط ما هو استراتيجي بما هو جنائي، وتجاهل تام للحقائق التي تذكرها السلطة التنفيذية الأميركية ممثلة في رئيس الدولة ووزير خارجيتها لجذب اهتمامات المواطن الأميركي بعيداً عن علاقات تاريخية مع المملكة العربية السعودية.
المدهش في موضوع حرب اليمن أن مناقشتها وسط هذا الاضطراب يجعلها كما لو كانت الحرب الوحيدة الجارية في الكون، والتي لا يجري عليها ما يجري على بقية حروب العالم من معاناة، وفي مقدمتها الحرب الأميركية في أفغانستان التي باتت أكثر الحروب الأميركية عمراً في التاريخ. ما حدث في هذه الحرب منذ نشبت في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 وحتى الآن، وما سقط فيها من ضحايا، وما دُمّر فيها من مدن، ظلت أمراً لا يجد من يهتم به في مجلس الشيوخ الأميركي.
السجلات والوثائق الخاصة بالحرب المنسية في أفغانستان كثيرة وكثيرة. وفقاً لقاعدة البيانات التي أعدها مارك هارولد دوسيه عن الضحايا المدنيين للضرب الجوي الأميركي، وهجمات عمليات القوات الخاصة في عملية «الحرية المستدامة» ما بين 7 أكتوبر 2001 و3 يونيو (حزيران) 2003، فإن عدد القتلى تراوح ما بين 3100 و3600 ضحية قضوا نحبهم نتيجة الإصابة المباشرة، بمعنى أنها تلك الإصابة التي تحدث نتيجة ضربة مباشرة من رصاصة أو مفرقعات؛ ولا تأخذ في حسابها تلك الوفيات التي تحدث نتيجة الجروح المميتة أو حالات الوفاة التي تحدث نتيجةً غير مباشرة للقصف الجوي أو أثناء عمليات القصف أو الاقتحام. دراسات أخرى تجاوزت هذه الأعداد، فتقدير كارل كونيتا من مشروع البدائل الدفاعية قدّر عدد القتلى من المدنيين الذين قتلوا بشكل مباشر من العمليات الجوية التي جرت في منتصف يناير (كانون الثاني) 2002 وصل إلى 4500 ضحية، وبشكل غير مباشر نتيجة الأزمة الإنسانية من مجاعات وأمراض. وفي دراسة أخرى «النصر الغريب: تحليل نقدي لعملية الحرية المستدامة وحرب أفغانستان» ذكر أن 3200 أفغاني قضوا نحبهم من المجاعة والتعرض للجرح لمجرد وجودهم في مناطق القصف أو أثناء محاولتهم للفرار من هذه المناطق. مراجعة صحيفة «لوس أنجليس تايمز» للصحف الأميركية والبريطانية والباكستانية، وجدت أن مجموع القتلى من المدنيين خلال الفترة من 7 أكتوبر 2001 إلى 28 فبراير (شباط) 2002، فإن الضحايا من المدنيين تراوحوا ما بين 1067 و1201، وذلك بعد استبعاد ما يزيد على 1000 قتيل نتيجة عدم التأكد مما إذا كان الضحايا من المدنيين أم العسكريين. وطبقاً لما ذكره جوناثان ستيل في صحيفة «الغارديان»، فإن ما يصل إلى 20 ألفاً من الأفغان قُتلوا خلال الشهور الأربعة الأولى من الحرب الأميركية في أفغانستان.
الأرقام السابقة تشير إلى ضحايا الصدمة الأولى للحرب المنسية، لكن توالي السنوات يفضي إلى حقائق أكثر قسوة، ووفقاً لتقرير لوكالة «أسوشييتد برس»، فإن عدد الضحايا في عام 2005 بلغ 1700، بالإضافة إلى 600 شرطي قتلوا أثناء العملية الانتخابية لاختيار حميد كرازي رئيساً لأفغانستان ما بين ديسمبر (كانون الأول) 2004 ومنتصف مايو (أيار) 2005. وفي تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، فإن 4400 أفغاني قتلوا في عام 2006 من بينهم 1000 من المدنيين. في عام 2007 قتل 1980 من المدنيين، و1019 رجل شرطة. وقدّر البروفسير مارك هارولد من جامعة نيوهامبشير، أنه حتى سبتمبر (أيلول) 2007 كان عدد القتلى من المدنيين يتراوح ما بين 5700 و6500، وفي تقديره أن هذا العدد محافظ نتيجة استبعاد أرقام الضحايا الذين قضوا نحبهم من بين عشرات الألوف الذين نزحوا من مواطنهم إلى معسكرات اللاجئين التي عاشوا فيها دون إمدادات لفترة طويلة. وفي تقرير لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، فإن عدد القتلى من المدنيين الأفغان في عام 2008 بلغ 2118، ومثل ذلك زيادة قدرها 40 في المائة عما كان عليه 1523 في عام 2007. تقدير هيئة المراقبة الأفغانية أعلى من ذلك فيما يخص عدد القتلى من المدنيين التي قدرتهم بعدد 3917، بينما بلغ عدد الجرحى 6800، بينما 120 ألفاً أجبروا على النزوح من ديارهم. عام 2009 لم يكن أقل قسوة على الأفغان، وطبقاً لتقرير هيئة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان المشار إليه، فإن عدد القتلى من المدنيين بلغ 2412 في قفزة مقدارها 14 في المائة عما كانت عليه في العام السابق. وبلغ هذا العدد وفقاً للهيئة نفسها 2777 في عام 2010، أي بزيادة قدرها 15 في المائة عن العام السابق. أما في عام 2011، فإن الرصد جرى خلال الشهور الستة الأولى منها إلى 1167 بزيادة قدرها 28 في المائة عما كانت عليه أعداد المدنيين القتلى خلال الفترة نفسها من العام السابق. واستمرت هيئة الأمم المتحدة نفسها في تعداد القتلى من المدنيين، فبلغوا 2769، والجرحى 4821 في عام 2012، و3710 قتلى و6825 جريحاً في عام 2014.
وفي 2015، بلغ عدد القتلى المدنيين 3710، أما الجرحى فبلغوا 7457؛ وفي 2016 كان القتلى 3498، والجرحى 7920؛ وخلال الشهور الستة الأولى من 2017 بلغ عدد القتلى 1662. ومن يناير حتى أكتوبر 2018 بلغ عدد القتلى 273 والجرحى 550.
الحروب ليست نزهة بحرية وإنما هي أعلى درجات الصراع بين الحق والباطل، ولم يقم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بالحرب في اليمن إلا لمساعدة إخوانهم من اليمنيين، ومن أجل عودة الشرعية إلى أهلها. لم يذهب التحالف إلى بلاد بعيدة وإنما ذهبت إلى الجنوب الغربي، حيث كان التهديد للأمن القومي السعودي. ولم تتحرك قوات التحالف إلى اليمن إلا وصاحبتها قوافل الإغاثة، وإنعاش وبناء المناطق المحررة والسعي الدائم للتوصل إلى حلول سياسية. أعضاء الكونغرس الأميركي ربما كان عليهم دراسة الحرب الأميركية في أفغانستان التي تعدى فيها عدد القتلى من المدنيين والعسكريين، والجرحى، والنازحين واللاجئين، ما فاق هؤلاء في الحرب الأهلية الأميركية.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع