توقيت القاهرة المحلي 23:33:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دور الفرد في التاريخ الأميركي

  مصر اليوم -

دور الفرد في التاريخ الأميركي

بقلم : عبد المنعم سعيد

انقسم المؤرخون بين المدرسة التي ترى مسيرة التاريخ ترجمةً لما يفعله الأفراد المتميزون، من الأبطال والأنبياء والمبشرين والأباطرة والغزاة؛ وباختصار تلك الشخصيات غير العادية التي تتعدى اهتماماتها وطموحاتها حياتها الشخصية والأسرية إلى أهداف عامة قد تصل إلى ما وصل إليه الإسكندر الأكبر، الذي لم يجد في الدنيا أرضاً إضافية ليغزوها. وهكذا باتت الغزوات والمخترعات والرسالات الكبرى، والأفكار العظمى، وليدة أفراد اختلفوا عن أقرانهم في تجاوز القريب إلى ما هو أبعد وأقصى، ويصل إلى قطاعات واسعة من المعمورة والبشر الآخرين.
المدرسة الأخرى رأت التاريخ دوماً صنيعة عمليات كبيرة ومعقدة، بعضها نتيجة صراع بين الأفكار، وتنافس بين نخب سياسية، وصراعات طبقية، وأخرى دولية. وبالطبع كانت هناك مدرسة أخرى حاولت التوفيق بين المدارس، وفي واحدة من رسائل فردريك إنجلز، الذي تقاسم مع رفيقه كارل ماركس ما بات معروفاً بالفلسفة الماركسية التي ركزت على دور العناصر الاقتصادية (قوى الإنتاج خاصة)، والاجتماعية (صراع الطبقات تحديداً)، ذكر أنه ورفيقه بالغا كثيراً في دور هذه العوامل، نظراً لأنه جرى تجاهلها، أو التقليل من شأنها في السابق؛ ولكن الحقيقة هي أن التاريخ يسمح للأفراد بأدوار خاصة، وحتى «الصدفة» يمكنها أن يكون له دور هي الأخرى.
اختلاف المدارس هذا شائع في العلوم الاجتماعية كلها، ولكنها تكون مفيدة في لحظات تاريخية بعينها مثل اللحظة التي نعيشها حالياً، حينما جاء إلى دنيانا «فيروس» أحدث متغيرات هائلة، رأى فيها بعضنا من الكتاب أنها قلبت الدنيا رأساً على عقب، أو أنها سوف تجعل العالم ليس كما كان، أو أن الليلة في تاريخ الوباء لا تزال في بدايتها، لأن الفيروس لا يزال كامناً جاهزاً للعودة، أو نتائجه الاقتصادية لم تصل بكاملها بعد. ولكن تحليل المضمون للكتابات الكثيرة كلها تسفر عن أن التطورات في الولايات المتحدة، خصوصاً تكاد تكون حاكمة لكل التطورات الكونية التي تترتب على حالة الدولة العظمى الوحيدة الباقية في العالم، كما كان يطلق عليها حتى وقت قريب.
الولايات المتحدة على حجمها ومكانتها العالمية باتت الآن مختصرة في شخصية رئيسها دونالد ترمب، الذي صدرت عنه من داخل أميركا، قبل خارجها، من الكتب التي تحلل سلبياً إدارته للدولة، وجاء ذلك من داخل الإدارة نفسها ومن خارجها أيضاً. وكان آخر الكتب ذلك الذي صدر عن جون بولتون، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، ومذكراته عن الفترة التي قضاها في البيت الأبيض. ما ذكر في الكتاب بات الآن ذائعاً حول تكريس كل تصرفات ترمب لكي يكون في خدمة إعادة انتخابه مرة أخرى.
ذلك الأمر ليس جديداً بالمرة، فكذلك كان حال معظم الرؤساء الأميركيين الذين جعلوا من سياستهم الخارجية وسيلة لدعم مواقفهم الداخلية. وفي كثير من الأحيان، فإن الرؤساء طالبوا الدول التي تعطيها الولايات المتحدة معونات أو قروضاً أن يستخدموها لصالح المتبرعين لهم في الحملات الانتخابية. ربما كان ترمب الأكثر هوجاً، وأحياناً فإن مطالبه من خصوم كبار مثل رئيس كوريا الشمالية، أو من رئيس الصين، كانت تعبر مناطق حرجة فيما تعتبره المؤسسات الأميركية يقع في صميم الأمن القومي الأميركي. ولكن بولتون ربما لا يكون أفضل من شهدوا على رئيس الدولة، نظراً لعنصريته ومواقفه المتطرفة ورغبته المتعجلة في استخدام السلاح ضد الدول المناهضة للولايات المتحدة، وموقفه الانتهازي من تقديم شهادته إلى الكونغرس الأميركي، حينما حجبها حتى يبقي في مذكراته ما يكفي لتسويق الكتاب.
وأكثر من ذلك، فإن الرجل لم يكن مستشاراً حقيقياً للأمن القومي يشكل مدرسة في تقديم الاختيارات للرئيس، كما كان الحال مع هنري كيسنجر على سبيل المثال مع الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد.
ولكن بغض النظر عن الكتب والمذكرات والاتهامات الثقيلة لرئيس الدولة الأميركية، فإنه سطر تاريخاً خلال السنوات التي بدأت منذ أعلن عن نيته للترشح لمنصب الرئاسة في منتصف عام 2015، يشكل بصمة خاصة به لم يسبقه لها رئيس أميركي من قبل منذ بدأ جورج واشنطن أول رئيس للدولة، وحتى باراك أوباما آخر الرؤساء السابقين لدونالد ترمب. فهو لم يأت من قلب الحزب الجمهوري، حيث يتمرس المرشح في مناصب عدة أو ينتخب في مراتب شتى، وفي غير مجال العقارات والعمل التلفزيوني، فإن الرجل لم تكن له خبرة تذكر بالسياسة الأميركية، مضافاً لها شح شديد في المعرفة بالثقافة السياسية الأميركية أو الثقافة السياسية بوجه عام. هو بالتأكيد صاحب مدرسة لم يسبقه إليها أحد تقوم على استغلال جروح عامة لدى الأكثرية الأميركية البيضاء التي أضيرت من «العولمة»، أو التي سئمت من الدور الذي تلعبه «المؤسسة الشرقية» الأميركية التي باتت غربية أيضاً بعد إضافة كاليفورنيا و«وادي السيليكون» إليها. هو أيضاً أستاذ في التعامل مع العقد الأميركية الخاصة بالأقليات الأخرى، سواء كان ذلك بسبب الدين أو اللون أو العرق؛ أو حتى الأغراب بصفة عامة، بمن فيهم حلفاء الولايات المتحدة التقليديون، سواء كانوا في أوروبا أو شرق آسيا أو الشرق الأوسط. هؤلاء جميعاً لم يضيفوا إلى القوة الأميركية، وإنما استفادوا منها دون دفع المقابل.
تفاصيل ذلك بالتأكيد كثيرة، ولكن كتابة دور دونالد ترمب في التاريخ الأميركي، سوف يكون شهادة على دور رئيس تجاه عناصر القوة الأميركية من أولى المؤسسات الأميركية المعروفة، وحتى ما ذاع عن مبادئها العالمية والكونية.
فلم يترك مؤسسة من أول الكونغرس والانتخابات والمؤسسات الأمنية، وحتى الشركات الرقمية، دونما هجوم أو إدانة. الأخطر من ذلك كله أنه جعل استراتيجيته الرئيسية تقوم على خلق حالة من الاستقطاب الحاد في المجتمع السياسي الأميركي، الهدف منها خلق حالة من التعبئة العامة لما سُمي قاعدته الانتخابية ذات الولاء له. آخر الرؤساء الأميركيين الذين خدموا لفترة رئاسية واحدة، جورج بوش الأب، لم يلجأ إلى هذا النوع من التعبئة لكي يفوز بفترة رئاسية ثانية.
وعلى أي الأحوال، فإنه لا جورج بوش الأب أو الابن نجيا من السخرية والإدانة التي أبداها ترمب في مناسبات عديدة. الورقة الوحيدة التي كان ترمب متوقعاً أن تكتب له في تاريخ الولايات المتحدة هو أنه سوف يجعلها «عظيمة مرة أخرى» من خلال نهضة اقتصادية كبرى.
ولكن هذه الورقة التي بدا أنها كانت في يده حتى نهاية العام الماضي، ما لبثت أن انتهت مع أزمة «كورونا»، ونتائجها الاقتصادية المروعة.
وفي مقال نشر في 10 يونيو (حزيران) الماضي، على منصة «أخبار بزفيد» الأميركية بعنوان «لم تصل الكارثة الاقتصادية بعد»، ذكر توم جارا: «يشبه الاقتصاد الأميركي الآن طائرة ضخمة تسير بخطى ثابتة بعد أن اشتعلت محركاتها. وفي غضون ستة أسابيع من المحتمل أن تصطدم بجانب الجبل». تاريخ الولايات المتحدة في هذه المرحلة من وجودها سوف يكون مرتبطاً إلى حد كبير بالتاريخ الشخصي للرئيس الأميركي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دور الفرد في التاريخ الأميركي دور الفرد في التاريخ الأميركي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon