توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إرهاب التخلف!

  مصر اليوم -

إرهاب التخلف

بقلم - عبد المنعم سعيد

يتملكنى إعجاب بالزملاء الذين يعقبون على الكوارث فور حدوثها، بينما فى حالتى فإن الواقعة تصيب بنوع من الشلل والحزن الشديد على الضحايا والخسائر المادية والردة الفكرية وخيبة الأمل التى تدفع فى اتجاه اليأس والابتعاد عن الأمل. ويكون ذلك كله حاداً فى حادثة القطار، الأسبوع قبل الماضى، والذى خرج عن المسار وترتب على الانحراف انفجار كان ثمنه قتلى وجرحى بالعشرات، ومعهم مبانٍ متصدعة. عندما يحدث هذا، بينما النية والعزيمة الوطنية تسير فى اتجاه بناء مصر براً ونهراً وبحراً وجواً بكل ما يعنيه ذلك من حسابات معقدة، فإن الحادثة تطرح الشك فوراً فيما إذا كانت أولوياتنا صحيحة، فيكون التساؤل عما إذا كان بناء الجديد مفضلاً على إصلاح القديم؟ وعما إذا كان ممكناً تحقيق دفعات إلى الأمام، بينما يشير ما جرى إلى أن «الخلف» يعشش فى مواقع كثيرة ويخرج علينا بين وقت وآخر مُلِحّاً ومُهدِّداً؟ كل هذه التساؤلات مشروعة، خاصة عندما تكون السكاكين حامية بأجساد القتلى وتشوهات الجرحى وصرخات المكلومين، خاصة عندما يستغلها أعداء الوطن ويجدون فيها فرصة لبث السموم والكثير منها عبر عشرات الوسائل الإعلامية والإلكترونية. والحقيقة أن مثل هذه التساؤلات ليست جديدة على العالم أو البشرية كلها، وأذكر أثناء إقامتى للدراسة فى الولايات المتحدة أن التساؤل كان كبيراً عما إذا كان غزو الفضاء مشروعاً والذهاب إلى القمر مفضلاً، بينما الفقر منتشر، والمخدرات والإدمان ذائعة، والكوارث بما فيها التى جرت لمركبات فضائية ممكنة، والتفرقة العنصرية تتسبب فى «جيتو» للفقر والجريمة فى ولايات ومدن متعددة؟.

والحقيقة هى أن التقدم مثله مثل التخلف هو مجمع لكثير من الأسباب، وليس صحيحاً أن التخلف سوف يزول بمعزل عن تحقيق التقدم حتى لو استخدمنا كل وسائل إدارة الفقر تكلفة، فالتقدم فى جوهره بقدر ما فيه من عوائد مادية يمكن قياسها، فإنه أيضاً منظومة فكرية وقيمية فيها الكثير من الانضباط والمحاسبة ومراجعة النفس والإحساس بالمسؤولية. العكس أيضاً صحيح، فحينما ينتشر الفقر والعشوائية فإن المنطقى معهما يكون الفوضى والإهمال والاستسلام لمشاعر الغضب الذى يجعل سائقاً يترك كل شىء لكى يصفى حساباً مع آخر. سوف نترك جانباً «المخدرات»، بعد أن قرر مجلس الوزراء مراجعة الخدمة المدنية لمواجهة تعاطيها، ولكن السائق، والسائق الآخر، وبقية المشاركين فى تحويل القطارات، والقيادات التى تقود وتراقب وتتابع، كل هؤلاء هم نتاج تعليم متخلف، وبيئة متخلفة، واستيعاب فقير للتكنولوجيا، وعجز كامل عن المبادرة، وباختصار فشل معرفى وعلمى وأخلاقى. فى المقابل، فإن المدن الرحبة، والجامعات المرتبطة بالجامعات الأجنبية المتقدمة، والتعليم الراقى المشجع على المبادرة، وانتقال القيم من حافة النهر الضيقة إلى سواحل البحر الفسيح، كل ذلك يخلق منظومة أخرى تأخذ زمانها لكى تستقر وتثمر. رحلات الفضاء الأمريكية، وحتى الصينية إلى الجانب المظلم من القمر، ليست ترفاً ينبغى أن يكرس لإزالة أمراض الأرض لأنها تعلمنا التعامل مع سرعات وأزمان لا تعرفها المعمورة، ومن خلالها عرف الإنسان أنواعاً من الدواء لم نكن لنعرفها ونحن فى أسر الجاذبية الأرضية. التنمية المصرية ربما لا تعرف الكثير عن الفضاء، ولكنها تعرف عن مصر ما لم يكن معروفاً أو لم يمسسه بشر من قبل.

هذه العلاقة «الجدلية» بين التخلف والتقدم هى ما يجب علينا معرفته عندما نواجه كارثة مثل التى جرت. صحيح أن الوهلة الأولى والجراح حارة، فالبحث عن الأسباب المباشرة يصبح طبيعياً. ولكن الغوص فى الموضوع يُظهر فوراً أن الأزمة هيكلية فى النظم والأخلاق العامة وتحمل المسؤولية حتى نصل إلى الغريزة وإدمان المخدرات بقدر ما هى مرتبطة بطبيعة المرحلة التى تمر بها البلاد. وبالتأكيد فإن ذلك ليس تبريراً لما حدث، بل هو لمحاولة فهمه وإدراكه وإعطائنا الإشارات إلى ما يمكن تجنبه، بقدر ما يعطينا العلامات الواجب السير عليها فى عملية البناء. المسألة فى شكلها المباشر ذات طبيعة جنائية يتولاها القضاء لكى يعطى المثل والعبرة ويُجرى العدالة فى مجراها، ولكنها فى شكلها غير المباشر تنظر فى تكرار اللامعقول من الحوادث سواء كانت سفينة غرقت فى نهر النيل، أو سفينة أخرى غرقت فى البحر الأحمر، أو فى حادثة حريق فى قطار الصعيد، ثم الانفجار فى محطة قطار القاهرة. لا يحل معضلتنا أن حوادث مماثلة جرت فى بلدان أخرى لأن مسؤوليتها سوف تقع على الآخرين، أما مسؤوليتنا فهى أن ما جرى لدينا مغموس فى التخلف الذى نعيش فيه وواجبنا الأسمى هو الخروج منه.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرهاب التخلف إرهاب التخلف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon