بقلم : د. عبد المنعم سعيد
لا أدرى لماذا ينتفض المسؤول هلعا من كلمة «الخصخصة» التى هى مظلة تشمل كثيرا من الإجراءات التى تعنى توسيع المجال للقطاع الخاص، ونقل جزء أو كل من إدارة المؤسسة العامة، أو بيع بعض من أسهمها، أقلية كانت أو أغلبية، أو بيعها كلها لمستثمر واحد أو لمجموعة مستثمرين أو طرحها أسهما فى السوق للشراء والبيع لمن يريد ويطلب ويقدر. ما يجمع كل هؤلاء هو أن الكيان العام انتقل قانونيا لكى يكون خاضعا لحزمة القوانين الحاكمة للقطاع الخاص، ومعنى ذلك أنه انتقل من الملكية العامة، أو بمعنى أكثر دقة ووصفا لمقتضى الحال ملكية الحكومة، إلى المجال الخاص.
نتائج ذلك فى أغلب الأحوال إيجابية، حيث تتخلص الحكومة من عبء ليست مهيأة لإدارته أو تحقيق المكاسب منه، فى الوقت الذى سوف تزيد فيه من الملكية الشعبية للأصول العامة بحيث تصبح خاضعة لقواعد المنافسة والسوق، فيصبح المكسب حاكما أما إذا كانت الخسارة دائمة، فإن الخروج من السوق أو الإفلاس يصبح حتميا. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية مضى العالم كله، إلا من دول قليلة مثل حالنا، اتجهت فى مسار الخصخصة، سواء كانت هذه الدول فى أوروبا الشرقية الاشتراكية سابقا، أو فيتنام الشيوعية حاليا، أو الصين فى شرق العالم أو المكسيك فى غربه.
منذ أيام نفى الدكتور محمد معيط، وزير المالية القدير، أن يكون إنشاء «الصندوق السيادى» لمصر بهدف «خصخصة» أو بيع شركات القطاع العام. ومع خالص تقديرى للوزير، وتأييدى الكامل لإنشاء الصندوق السيادى، فإن الفزع من «الخصخصة» لا يمكن تبريره إذا ما جاء مع التأكيد أنه سيكون إحدى الآليات «المهمة» فى «الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص». النقطة الفاصلة هنا أنه لا يمكن تحقيق هذه الشراكة إذا ما كانت سوف تبقى ذات القوانين والقواعد والإجراءات الخاصة بالقطاع العام، فهذه تأتى ضمن أمور لا تحدث إلا فى القطاع الخاص، مثل تعظيم العائد من الأصول غير المستغلة والتوسع فى الاستثمار والقدرات التكنولوجية التى تسمح بالمنافسة، سواء فى السوق المحلية أو العالمية. فمثل ذلك لا يحدث إلا إذا كانت الإدارة وقواعدها تقوم على فكر القطاع الخاص ومبادراته وقدراته، ولو كان ذلك حادثا فى القطاع العام وشركاته القابضة والمنبسطة لما كان هناك داعٍ لإنشاء الصندوق من الأصل. القرار فى جوهره شجاع وخطوة على الطريق الصحيح الذى لا يستنكف اتخاذ قرارات صعبة طالما أنها تحقق الصالح العام وتعطى فرصا أكبر فى النمو الاقتصادى، وباختصار فإنه جزء أصيل من عمليات الإصلاح الاقتصادى كما عرفها العالم.
من المؤكد أن أمر «الخصخصة» لا توجد فيه معصية أو ذنب أو خطيئة، فنحن أعلم بشؤون دنيانا، وإذا كانت التجربة المصرية تشهد على نفسها، فضلا عن تجارب العالم الأخرى فى «الصين وسنغافورة والنرويج والإمارات والسعودية»، أن الملكية الحكومية وإدارة البيروقراطية للقطاع العام ليست هى أفضل الطرق لتحقيق معدلات عالية للنمو. الأخطر من ذلك- وسوف تشهد مكونات الصندوق السيادى على ذلك- أن كثيرا من وحدات القطاع العام وأصولها تتحول إلى نوع من «رأس المال الميت» الذى يقف مثل شواهد القبور لا إنتاج فيه ولا حياة. الشفافية هنا فى إدارة الصندوق سوف تكون شاهدة على الماضى بقدر ما تشهد على المستقبل، لأن مكوناته من شركات وهيئات وأصول سوف تجعلنا نقدر حجم الخسائر الهائلة التى تحملها المجتمع من وحدات لا تعمل، وإذا عملت فإنها لا تنتج إلا القليل، وإذا أنتجت كثيرا فإنه لا يُصدر إلا قليلا طالما أن ضعف القدرات التنافسية حاكم فيه.
وفى قادم الأيام فإن خطوات ما بعد الصندوق سوف تقدم لخفض عجز الموازنة العامة، والتوسع فى الاستثمارات التى تفتح الباب للعمل والتصدير، وتضاف خطوة شجاعة أخرى لخطوات سابقة تشكل نتائجها فى مجموعها «العجب العجاب» الذى ننتظره جميعا.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع