توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تريليون دولار «آبل»؟!

  مصر اليوم -

تريليون دولار «آبل»

بقلم : د. عبد المنعم سعيد

سبقنى صديقى د. أسامة الغزالى حرب فى الأهرام الغراء فى الكتابة المقتدرة عن الخبر المدوى بتجاوز القيمة السوقية لشركة «آبل» حاجز التريليون دولار. تصورت أن الموضوع سوف يجد اهتماما أكبر فى الإعلام المصرى، ليس فقط لأن الأمر مدهش، وإنما لأنه طالما اخترنا طريق التنمية السريعة والمستدامة فلا بد أن يكون التركيز على كل ما هو جديد وحديث ويشكل علامة فارقة فى عالم الأعمال، ومن يعرف ربما الإنسانية كلها. هو نوع جديد من الثقافة التى ليست كلها تراثا أو تاريخا أو هوية أو أنواعا مختلفة من الأيديولوجيات التى تخص الحرية والعدالة، وإنما حركة الفكر والزمان والثروات.

سوف أقرب المسألة قليلا للفكر المصرى، فعندما وصلت القيمة السوقية لشركة آبل إلى تريليون دولار، كان ذلك يعنى تقريبا ثلاثة أمثال القيمة الاسمية للناتج المحلى المصرى؛ أو أنه يماثل الناتج المحلى الإجمالى لمصر، مقوما بالقدرة الشرائية للدولار. هذا يعنى أن كل ما تنتجه مصر من سلع وخدمات يساوى قيمة شركة واحدة فى مجال تكنولوجيا المعلومات؛ ومن ناحية أخرى فإن ذلك يعنى أن مصر ليست فى سباق مع دول العالم الأخرى، وإنما أيضا مع شركات عملاقة جبارة التأثير والنفوذ.

ولمن لا يعرف فإن الشركات المقدر لها أن تنافس آبل وتدخل فى نادى شركات التريليون دولار هى على الترتيب فى الغنى: أمازون، جوجل، مايكروسوفت، وقيمتها الآن تريليونان ونصف التريليون دولار. كل هذه الشركات قائمة على تكنولوجيا المعلومات، سواء فى واقعها القديم الذى بدأ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى وقام على استخدام الإلكترونيات وروافدها، وواقعها الحالى فى ثورته الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعى والروبوت وتواصل العقل الإنسانى مع الآلات، والآلات مع بعضها البعض.

لاحظ هنا أن شركة آبل الآن تفوق قيمتها قيمة البنوك الخمسة الأوائل فى الولايات المتحدة، وقيمة جميع شركات السيارات الرئيسية فى الدنيا كلها، وقيمة شركات السلاح المعروفة فى أمريكا، وكل شركات الإعلام الأمريكية المعروفة. هذه الحقائق توضح لنا التغيرات التى جرت فى «قوى الإنتاج» خلال العقود القليلة الماضية، فحتى ستينيات القرن الماضى كانت شركات «الحديد والصلب» وما يتبعها من صناعات السيارات والسفن هى التى تقود العالم، وفى السبعينيات باتت شركات البترول التى صارت شركات للطاقة فى الثمانينيات تتصدر قائمة الشركات الأعلى قيمة فى الدنيا.

ومع نهاية القرن الماضى وبداية الألفية الثالثة بعد الميلاد استقر الأمر تدريجيا للشركات المذكورة أعلاه والتى تتصدرها آبل الآن قرب نهاية العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين. القيمة الحقيقية لهذه الشركات أنها تمثل ثورة فى قوى الإنتاج لن تقل فى تأثيراتها على الجنس البشرى عن الثورة الزراعية التى بالمناسبة بدأت فى مصر، والثورة الصناعية التى بدأت فى أوروبا. آبل غيرت الجنس البشرى، ليس فقط لأنها مع غيرها من الشركات المماثلة قدمت للكمبيوتر الشخصى وما تفرع عنه من منتجات واتصالات، وإنما قدمت للثورة فى «الذكاء» للإنسان أو فى الآلة أو فى العلاقة بينهما.

لم تعد قصة آبل هى قصة حياة ستيفن جوبز المثيرة، أو قصة منتجات الشركات التى خرجت فى حياته أو بعد مماته، وإنما فى تغلغلها أولا فى حياتنا جميعا، وإنما فى نفاذها ثانيا إلى كل وسائل الإنتاج حينما اتبعتها شركات مثل «هيوى» و«على بابا» الصينيتين وأكثر من ذلك تفاعلها مع الشركات الثلاث المطاردة لها لكى يحدث ثالثا ثورة فى إنتاج كل الصناعات الأخرى من الحديد والصلب إلى السيارات إلى العقارات.

لم تنتج آبل فقط الساعة أو جهاز الموسيقى أو التليفون، الذى لم يعد وسيلة للاتصال، وإنما صار محطة علاقات بين الإنسان وعالمه. آبل الآن دخلت إلى مجال السيارة بدون سائق، والسكن الذكى الموفر للطاقة والمحافظ على البيئة، وفى كل ما ولجت إليه من مجالات الإنتاج فإنها خلقت علاقات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك لم تعرفها الدنيا من قبل. آبل هى فى الأول والآخر لا تعرف إلا الطبقات الوسطى فى العالم كله، ربما كان صاحب الفكرة فيها هو الذى يحلق بعيدا إلى عوالم أخرى من الثروة، ولكن بعد ذلك فإن أصحاب الأسهم والبائعين والمقلدين والمستخدمين يعيشون فى قارات الدنيا الست فى طبقة وسطى لم تجد بعد المسمى الذى يصفها وصفا دقيقا.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تريليون دولار «آبل» تريليون دولار «آبل»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة

GMT 02:17 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon