بقلم - عبد المنعم سعيد
لعلى أقع بين أوائل المتحمسين للاحتكام إلى التقارير الدولية فى الحكم على الأحوال فى مصر، خاصة تلك المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعى مثل تقرير التنمية البشرية والتنافسية الدولية وما أشبه من تقارير تضع دول العالم فى مراتب وتصنيفات. فمن وقت لآخر فإن المراجعة مع تقارير جهات محايدة وموضوعية فيها الكثير من الإفادة حتى نعلم أين كنا وكيف أصبحنا باستمرار، ليس وفقا لانطباعاتنا الشخصية، وإنما استنادا إلى مقارنات صارمة مع بقية دول العالم التى سبقتنا وتلك التى لحقتنا.
كل ذلك لم يتغير رأيى فيه، ولكن هناك تقارير دولية أخرى تحتاج بعضا من المراجعة هى ذاتها من حيث المعايير التى تأخذها، وأساليب القياس التى تتخذها، بحيث توضع هى الأخرى فى الاعتبار ساعة المقارنة. من بين هذه التقارير يوجد تقرير الفساد أو الشفافية الدولية الذى يرتب الدول حسب «إدراك» عينة منتقاة بعناية للفساد فى بلد بعينه، فإذا كان «إدراكها» بالنسبة للبلد أنه فاسد، فإنه يصير فاسدا ويعد ذلك جزءا مهما من تقييمه فى الأسواق الدولية. وأذكر أننا حاولنا فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن نختبر هذه المقولة بالنسبة للمصريين، وجدنا بالفعل أن أغلبية ساحقة منهم تعتقد أن مصر بلد ينتشر فيه الفساد، لكننا عندما سألنا بشكل محدد عما إذا كان المصرى قد قام بالفعل بدفع رشوة لكى يدخل أولاده المدرسة أو يدخل إلى مستشفى حكومى أو يستخرج شهادة قيادة أو أيا من الأوراق الرسمية، وغيرها من المعاملات العامة، وجدنا أن النسبة تنخفض للغاية ولا تتجاوز بحال ١٠٪ من المصريين.
مثل ذلك يحدث أيضا فى تقرير السعادة العالمى الذى كنت محظوظا عندما شهدت لحظة ميلاده مع تقارير أخرى مثل «الفاعلية» فى مدينة دبى عندما انعقد فيها المنتدى الاقتصادى العالمى قبل خمسة عشر عاما. جاء حظى فى المشاركة عضوا فى ورشة عمل تخص الكيفية التى نقرر بها المقارنة بين دول العالم، وكانت هناك ثورة عارمة بين الخبراء الدوليين على اعتبار «الناتج المحلى الإجمالى» أساسا للمقارنة لأسباب ذكرت فى ذلك الوقت وجعلت المقياس مضللا، كان أهمها أنه لا يأخذ توزيع الدخل بين الشرائح الاجتماعية والأقاليم فى الاعتبار. ورغم تسليمى الشخصى ببعض من جوانب القصور هذه، فقد وجدت أن التقارير المقترحة فيها أيضا الكثير من العوار ذكرتها فى حينها، وسوف أطبقها بعد قليل. فتقرير السعادة العالمى ٢٠١٨ وضع مصر فى الترتيب ١٢٢ من بين ١٥٦ دولة جرى فيها القياس، وهو ترتيب لا يختلف كثيرا عن وضع مصر فى باقى التقارير الدولية المهمة متأخرة فى ذلك عن مكانتها ١١٣ فى تقرير ٢٠٠٨/ ٢٠١٠. التقرير يعتمد على ستة معايير هى: الدخل، والعمر المتوقع عند الميلاد، بينما الشخص فى حالة صحية جيدة، التضامن الاجتماعى، الحرية، الثقة، والكرم. الدولة الأولى فى العالم فى هذا الشأن هى فنلندا وبعدها تأتى النرويج ثم الدنمارك تتلوها أيسلندا وسويسرا.
الملاحظ هنا أن هذه الدول ذاتها تتصدر الكثير من التقارير الأخرى، ومع ذلك فإن المعايير المتخذة للقياس فى أغلبها «مدخلات» لموضوع «السعادة» الذى هو فى جوهره «حالة» نفسية تأخذ المعطيات وتحولها إلى مخرجات من السلوك والمشاعر تجاه النفس والآخرين. مثل هذه الحالة يدخل فيها حالة الطبيعة، ومن الشائع فى البلاد بالغة البرودة مثل الدول التى تتصدر مقياس السعادة أن يكون غياب الشمس، والاحتباس داخل صوامع زجاجية فى المنازل والمكاتب والمعامل والمصانع، ولفترة طويلة تقرب من تسعة شهور فى العام أحيانا مدعاة للاكتئاب ومظاهر نفسية سلبية عديدة قد تؤدى إلى ارتفاع حالات الانتحار بتوابعها الاجتماعية. يضاف إلى ذلك أن هذه الدول المتقدمة للغاية لم ينعكس تقدمها وسعادتها المتوقعة على التكاثر، فباتت شاهدة على انقلاب هرم العمر فيها رأسا على عقب، حيث بات كبار السن الأكثر عددا، والشباب الأقل عددا، وهى الظاهرة المؤثرة على الحيوية العامة فى المجتمع. تقرير السعادة العالمى لا يأخذ بمثل هذه المخرجات، ورغم اهتمامه بالتضامن الاجتماعى فإنه لا يعطى بالا كثيرا للتماسك الأسرى، وذيوع حالات الطلاق وتأثيراتها على الحالة النفسية للأطفال.
لا يوجد زعم هنا أن المصريين ربما يكونون أكثر سعادة من الإسكندنافيين وأمثالهم فى الدول الباردة المتقدمة الأخرى، ولكنها وجهة نظر فى التقرير ذاته الذى يحتاج المزيد من الجهد حتى يكون المقياس صادقا، وأقرب إلى الحقيقة، وربما يكون مفيدا أيضا
نقلا عن المصري اليوم