توقيت القاهرة المحلي 20:57:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عام الأحزان الكثيرة!

  مصر اليوم -

عام الأحزان الكثيرة

بقلم - عبد المنعم سعيد

فى العادة فإن حصاد الحزن أو السعادة يأتى فى نهاية العام، وسواء كان الحصاد شخصيًّا أو عامًّا فإن حسابه ليس سهلًا، فالحياة خليط ومزيج من أشياء وأمور كثيرة لا يمكن التمييز بينها، وهى كالعادة حمّالة أوجه كما هو الحال فى كتب مقدسة. لكن مشهد مثل ذلك الحريق الذى جرى لكنيسة القديس «أبوسيفين» لابد له أن يهبط ثقيلًا على القلب والعقل معًا ليس فقط بصور الضحايا أو خسارة الجرحى أو ما ترك من ركام تظهر فى داخله أيقونات مدهشة هو فى النهاية خسارة وطنية من الطراز الأول. من الممكن دائمًا أن يحل ذلك كنوع من الاختبار، الذى لا يأتى إلى الأفراد وحدهم، وإنما يحل بالشعوب أيضًا. فى الأمور الشخصية- كفقدان الابن، أو ابنة الصديق «سلمى»، التى كانت تجرى بيننا بسمرتها وابتسامتها الساحرة لاعبة غادية ورائحة- تولد اللوعة التى عرفتها من قبل على أنها حالة ربما لا يعرفها إلا علماء البيولوجيا من الحزن الذى يتفجر على حلقات متتابعة، ويأتى فى شكل موجات لا تعرف متى سوف تهجم عليك فى حالة من الألم والدموع الدافقة والرغبة فى الصراخ. لا يوجد أى تحذير بأن المآقى قد فاض بها الدمع، أو أن القلب بات على وشك الانفجار؛ وإذا كانت كل أمور الإنسان تبدأ من العقل، فما الأوامر والإشارات التى جرت حتى وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من الألم المعنوى، والاعتصار الحسى، وتثبيت اللحظة المؤلمة حتى تخال أنك أخذت نصيبك منها فتمر، وتعود الشاشة الإنسانية إلى استئناف حكاية القصة.

الحزن العام يجمع وراءه تكرارية من الإحباط والفشل، ويحتاج قدرًا كبيرًا من الأسف على ما جرى، والتساؤل عما إذا كان ممكنًا أن نصعد إلى قمة الجبل حاملين أقدارنا لكى نُعيد الكَرّة بعد ذلك فى دورية مخيفة كما حدث فى أسطورة إغريقية تتجسد فى التاريخ المصرى على شكل سلسلة من التقدم إلى الأمام لا تلبث أن تتلوها أزمان من الدوران إلى الخلف. ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية من تقدم فى مصر خلق فى داخله تلك الحالة من الخوف عما إذا كان ذلك فترة استثنائية وأن تحول البناء فيها إلى ما هو معتاد ومن طبيعة الأشياء لا يجاريه ما فى داخله من نقيض ينفجر عند لحظة ما. هو ما سميته من قبل فى مقال سابق نوعًا من «الكرب»، الذى يأتى من توالى المصائب وتعدد أنواعها، بحيث يصبح من الصعب على العقل تحديد الأولويات والوسائل والأدوات، التى يمكن بها التخلص من الحالة الصعبة، التى تبدو مستعصية على كل شىء. هى حالة يمكن أن تكون عالمية كتلك التى نعايشها الآن، فقد كان معلومًا أن البشرية تواجه أشكالًا من المصائب الصعبة الناجمة من ظاهرة الاحتباس الحرارى، التى ولّدت حالات غير مسبوقة من ارتفاع الحرارة وذوبان القطب الشمالى وأشكالًا عنيفة من الأعاصير، صاحبتها انفجارات غير مسبوقة فى براكين ظهرت خامدة. لم تكن الحرائق والفيضانات التى ألَمّت بكل ذلك مماثلة لما جرى التعود على التعامل معه من قبل، وإنما أصابت مدنًا وقرى بعنف شديد، ترتبت عليه هجرات ولجوء جعلت من الإنسان الذى كان آمنًا ضحية اضطراب الحياة والعيش فى «كرب» بالغ.

الأفراد الراشدون يتعاملون مع اللوعة ليس بالاستسلام لها، وإنما بالكثير من إرادة العمل والبناء والتفكير بأنه لا ينبغى للحظة الذهاب العظمى أن تخفى مآل روعة الحضور إلى الدنيا. الأمم الرشيدة لا تستسلم للكرب مهما كانت طبقاته حتى لو ألَحّت إحباطاته وذنوبه التى أتت بالحريق. وفى الحالتين فإن المراجعة تكون واجبة، ليس فى أمور الله وقدره، وإنما فى الأسباب والأسماء التى تجعل من الممكن استمرار مسيرة الفعل والبناء. «الحرب الأوكرانية» خلقت سلاسل من الكرب، جاءت أولاها من انكسار أشكال من الحكم الذائعة حول دوام السلام العالمى؛ وثانيتها أنها انتقلت من حالة «الأزمة» إلى الصراع المسلح بسرعة كبيرة؛ وثالثتها أنه كامن فى الأزمة تحولها إلى حرب عالمية؛ وفى كل الأحوال رابعًا أنها ما لبثت أن تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية تمس كل دول العالم. تراجع النمو فى الاقتصاد العالمى، ومعه صعدت أسعار الطاقة، ومن بعيد ظهرت أشباح الركود التضخمى للكوكب كله. تراكم الأزمات والمصائب على هذا الشكل منع أشكالًا كثيرة من التعاون الدولى عندما بات واضحًا أن الدوافع «الجيوسياسية» يمكنها أن تتغلب على كل الدوافع الأخرى. ما بين كرب الحرب وكرب الكنيسة لابد من حماية وبناء الوطن، وكذلك العالم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام الأحزان الكثيرة عام الأحزان الكثيرة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon