توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوروبا الجديدة في الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

أوروبا الجديدة في الشرق الأوسط

بقلم : عبد المنعم سعيد

في مداخلة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، نوه إلى أن الشرق الأوسط سوف يكون «أوروبا الجديدة» في العصر الحديث. جاء هذا التنويه بعد عرض دقيق ومفصل لتجارب الإصلاح العميق الجارية في دول عربية عديدة؛ والتأكيد على ما فعلته تجربة دبي خاصة والإمارات بشكل عام برفع السقف العربي نحو التقدم والحداثة. وبينما حازت تجربة مصر بموقعها وسكانها ومكانتها التاريخية وتجربتها الراهنة إشادة، فإن الدول العربية الأخرى مثل الأردن والكويت وعُمان وقطر حازت اهتماماً مناسباً. كان طبيعياً أن يكون ذلك عنواناً للتجربة السعودية الراهنة في الإصلاح والتحديث والتقدم بصفة عامة، ولكن الجديد كان ربط ذلك كله بمستقبل الشرق الأوسط. وليس سراً على أحد أن النظرة إلى حالة الإقليم في العالم، وخصوصاً في مكونه العربي، لم تكن تسر أحداً. كان الشرق الأوسط، والعالم العربي خاصة، يمثل حالة «استثنائية» من التخلف عن «العولمة» و«الديمقراطية» و«الحداثة»، وعلى عكس ذلك يسير دوماً في اتجاه «التعصب» و«التطرف» الديني والانغلاق الفكري، والصراعات الداخلية التي ما كان لها نهاية. وبينما بدا هناك تفاؤل عالمي بأحداث «الربيع العربي» في مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، فإن التشاؤم سرعان ما عاد أمام سنوات من الحروب الأهلية، وما بدا من تحول نحو جماعات الجهاد و«الخلافة الإسلامية» المزعومة، وعداء مزمن للغرب والتقدم بصفة عامة.
ما كان مدهشاً أن ما طرحه ولي العهد في مداخلته لم يلق ما يستحقه من اهتمام يتعلق بالسياسات الإصلاحية المتبعة التي لا تزال تؤخذ على سبيل الاستثناء التاريخي الذي سرعان ما يذوب كما حدث كثيراً منذ حدوث «النهضة العربية» في القرن التاسع عشر، حيث جرت بعدها نوبات من التغيير والاستقلال، وبعد النفط الغني المادي، ولكن الحداثة والمعاصرة والتقدم ظلت مفاهيم بعيدة. في هذا المقام كثيراً ما جرت مخالفة وجهة النظر الذائعة هذه، وجرى التأكيد على أنه منذ عام 2015 وبالتأكيد مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، فإن عدداً غير قليل من الدول العربية سار في اتجاه الإصلاح العميق للدولة والمجتمع العربي. وكانت أعمدة هذا الإصلاح هي: أولاً التأكيد على الدولة الوطنية بعمقها التاريخي وهويتها الوطنية والقومية ووحدتها السياسية. وفي هذا السبيل فإن تجديد الفكر الديني وإصلاحه على مسار الدولة المدنية هو العمود الرئيسي للوحدة الوطنية. وثانيها التغيير الشامل في الآفاق الجغرافية للعملية التنموية، بحيث انطلقت مصر من «النهر إلى البحر» والسعودية من «الخليج إلى البحر الأحمر». لم يعد هناك قبول بالأفكار الشائعة أن أراضينا صحراء وجدب؛ وأن الثروة لا تكون إلا بالنفط، فما لدينا بكثرة من رمال هو في الحقيقة «سيليكون»، وما لدينا من جبال هو معادن، ومن بحار هي جسور ومواصلات واتصالات، وما لدينا من بشر هي عقول وأفكار وإبداع. وثالثها أن وحدة الإرادة السياسية وقوتها وعزمها وشبابها قادرة على تحقيق المعجزات التي تعني علمياً تحقيق التقدم في وقت قصير، لأن حقيقة المعجزة تكون عندما يحدث أمر في غمضة عين.
ورابعها في الحقيقة أضافه ولي العهد في تكييف جديد لعلاقة دول الإصلاح ببعضها فلا يحل فيها منافسة بغيضة، أو حسد شرير، وإنما التأكيد على أن ما يقومون به معاً هو في الواقع «الإقليمية الجديدة» التي يصبح فيها الإقليم مثل أوروبا عندما خرجت من العصور الوسطي إلى العصر الحديث بدءاً من منتصف الألفية الثانية بعد الميلاد لكي يصل العالم إلى ما بات عليه الآن. وفي هذا المقام جرى الحديث عن «الإقليمية الجديدة» التي تنطلق من الإصلاح الداخلي إلى التعاون الإقليمي وتهدئة الصراعات الإقليمية. والآن فإنه من الوارد تقدم الأمر في اتجاهات مثمرة جديدة ربما كانت بداياتها في اتفاق تخطيط الحدود البحرية بين مصر والسعودية الذي فتح باب التكامل بين إقليمي سيناء في شمال شرقي مصر، والعلا في شمال غربي المملكة. كلاهما يشكل إقليماً تنموياً وسياسياً في شمال البحر الأحمر يخلق حقائق «جيوسياسية و«جيو استراتيجية» عميقة تمهد لكثير من الاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي. ولكن تلاقي تسع دول عربية على اللقاء مع رئيس الولايات المتحدة في جدة، والحديث المتماثل تقريباً لجميع القادة العرب حول ما هو مرفوض وما هو مقبول يضع قاعدة جديدة لقواعد تعامل الإقليم في داخلة وخارجه.
وللتذكرة فإن النظام الإقليمي الأوروبي بدأ في إطار «معاهدة وستفاليا» في عام 1648 التي قضت بضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الدول الأوروبية، وبدونها فإن حروب المائة عام والأخرى الثلاثين عاماً حول البروتستانتية والكاثوليكية لم يكن ممكناً لها أن تتوقف. لقاء الدول التسع مع قائد الولايات المتحدة يجعل من الممكن لها أن تلتقي سوياً، وكلها من دول الإصلاح والتقدم والتجديد، لإقامة بنيان إقليمي جديد. وإذا كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية، وكان ثمن كلتيهما فادحاً، قد قادتا التجربة الأوروبية إلى ما وصلت إليه الآن؛ فإن حروب الاستقلال العربية، والحروب العربية الإسرائيلية، والحروب الأهلية العربية، والصراعات العربية الإقليمية، وجميعها كان لها ثمن فادح؛ جميعها تدفع نحو نقطة بداية جديدة في المنطقة. البداية تقوم سياسياً على الاعتراف بالحدود القائمة للدول منذ الاستقلال والتي على أساسها قبلت هذه الدول في الأمم المتحدة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى حيث القبول التام بالمثل أن «أهل مكة أدرى بشعابها». واقتصادياً فإن الباب مفتوح للكثير، وإذا كان «منتدى شرق البحر المتوسط» يقدم مثالاً يشابه الحالة الأوروبية التي اعتمدت بدايتها على الحديد والصلب، حيث بات «الغاز» هو نقطة التكامل الأولى. إقامة كل من «منتدى شمال البحر الأحمر» ومنتدى «الشام الجديد» تعد من المسارات المفيدة التي تسير في اتجاهات صحيحة.
استراتيجياً فإن الاستمرار في الإصلاح الداخلي يمكن دفعه بقوة من خلال الاعتماد على إحدى المزايا الديموغرافية المهمة والقائمة على النسبة الغالبة للشباب بين السكان بينما تشيخ أوروبا؛ مع الاعتماد على درس مهم من التجربة الأوروبية وهو أن «القادمين الجدد أو The New Comers» لديهم فرصة كبيرة للتفوق على سابقيهم لأنهم يبدأون من واقع تكنولوجي جديد، بينما سابقوهم عليهم أن يقوموا بعملية تكيف هائلة ومكلفة بين التكنولوجيات القديمة وتلك الجديدة. العالم العربي ممتلئ بكثير من المبادرات الخاصة في التطبيق العملي للتكنولوجيات الحديثة، وفي موسم الحج الأخير كان «الروبوت» يقدم خدمات مهمة لحجيج بيت الله؛ وبينما وجدتُ في استراحة «الخطوط السعودية» في مطار جدة «روبوتاً» يقدم خدمة المياه بأنواعها جاء في الذاكرة ما قاله الأمير محمد بن سلمان أن مدينة «نيوم» سيكون فيها من «الروبوت» ما هو أكثر من السكان. الإمارات العربية المتحدة أرسلت مركبة مبكرة إلى المريخ، وفي مصر فإن وكالة الفضاء والاستشعار عن بعد تقوم بإرشاد المزارعين بمواعيد الري والحصاد الآتية من أقمار صناعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا الجديدة في الشرق الأوسط أوروبا الجديدة في الشرق الأوسط



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon