بقلم : د. عبد المنعم سعيد
تكون الفرحة طاغية عندما يبدأ واحد من مشروعاتنا القومية فى إنتاج الثمار فساعتها يكون الإنجاز ساطعا، وتكون لبنة من لبنات بناء الوطن قد ظهرت ملامحها وباتت جزءا من مركب التقدم الذى نسعى إليه. ومن عجب أنه ليس شائعا أن «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» هى واحدة من المشروعات القومية التى تبناها الرئيس السيسى وأخرجها من ظلمات النزاعات القضائية إلى دائرة التنفيذ والتحقق. وقبل أيام كانت المدينة تخرج أولى دفعاتها العلمية فى شعبتى الهندسة والعلوم بأقسامها العلمية فى الهندسة البيئية وتكنولوجيا النانو والطاقة المتجددة والفضاء والمعلومات والاتصالات والطب الحيوى وعلوم المواد وفيزياء الأرض والكون. بهذه الحزمة من العلوم تكون المدينة قد بدأت الإفصاح عن هويتها التى حدثنى عنها الراحل العظيم قبل عقدين فى مقابلات تليفزيونية وفى مقابلات مباشرة، وفى كل مجمع كان سؤالى الدائم هو: ما الذى يحدث فى العلوم هذه الأيام؟!. وكان آخرون لا يكفون عن سؤاله: ما الذى سوف يفعله من أجل تقدم العلم فى مصر؟ وكانت إجاباته دائما تدور حول آخر ما وصل إليه التفكير العلمى فى العالم، كما كان عن ضرورة بناء قاعدة علمية كبرى فى مصر لأن هذه القاعدة هى أساس تقدمها.
عرفت الدكتور أحمد زويل خلال عقد التسعينيات من القرن الماضى وقبل حصوله على جائزة نوبل، وكان واسطة العلاقة الأستاذ لطفى الخولى، رحمه الله، وهو الذى جعل اللقاءات متكررة فدارت فيها فكرة الجامعة العلمية وأفكار أخرى. وكانت آخر اللقاءات عبر التليفون حينما كنت فى الولايات المتحدة واستمرت قرابة الساعتين تبادلنا تجارب التعامل مع المرض الخطير، وكان هو الذى أخبرنى بأن الرئيس السيسى قد جعل من الجامعة واحدا من المشروعات القومية، وكان لابد فى النهاية، كما هى العادة، أن أسأل ويجيب عن آخر تطورات العلم فى الدنيا المتقدمة التى يعرفها أكثر بكثير مما عرفت. حصلت على محاضرة مجانية خاصة حول موضوع أبواب التعليم والإدراك الجديدة التى بات العالم على وشك الدخول إليها وما يمكن أن تقدمه للبشرية من نقله كيفية ونوعية فى المعرفة سوف تحدث ثورة فى العلوم والجامعات. فى نهاية الحديث تواعدنا على لقاء فى القاهرة بعد العودة إلى مصر، ولكن اللقاء لم يحدث لأنه ذهب إلى من علم الإنسان ما لم يعلم.
هكذا كانت السعادة غامرة بتخرج أولى دفعات مدينة زويل، لأن ذلك كان حلما تحقق لعالم عظيم من ناحية، ولأن ذلك كان هدية لمصر التى أحبها كما لم يحب مكانا آخر فى الدنيا الكبيرة. كان خطاب السيدة قرينته فى الحفل حزمة من الفرح والحزن لأن الشجرة أثمرت ولأن الذكرى حارة وقاسية، ولكن أهم ما فيها أن أجيالا جديدة جاءت وقد تعلمت بطرق تسير على آخر ما يعرفه العالم المعاصر فى العلوم والتكنولوجيا. جيل مصر الجديدة الذى يعرف عن الكون بقدر ما يعرف عن الخلية، ويعرف عن الحركة بقدر ما يعرف مدى السكون، ويعرف عن الأرض بقدر ما يعرف عن الفضاء. ماذا سوف تفعل مصر بالخريجين من أولاد زويل، ��همة لا تقل أهمية عن تعليمهم وميلادهم العلمى وتعميدهم بالمعرفة؟. وهل ينطبق ذلك فقط على الخريجين المتميزين عن الجامعة أو أنه ينطبق على كل المتميزين الآخرين فى الجامعات المصرية؟ أظن أن صياغة المسألة لابد أن تأخذ شكلا آخر، وهو كيف نجعل هؤلاء جميعا أولا يفيدون ما لدى الدولة من آفاق جديدة فى زيادة الثروة المصرية، ومعالجة الأمراض المستعصية، وتوليد الطاقة المتجددة، وتحلية المياه النادرة، ولكن من ناحية أخرى هل توجد طريقة لكى يبوح لنا هؤلاء بمصر التى يريدونها ويحلمون بها ويتصورون لأولادهم وأحفادهم أن يعيشوا فيها؟ خيال هؤلاء ربما كان ما نحتاجه الآن أكثر من أى وقت مضى لأن العالم يتغير، ومصر أيضا تتغير وكذلك أحلامها.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع