توقيت القاهرة المحلي 11:19:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من المسئول عما جرى فى سوريا ؟!

  مصر اليوم -

من المسئول عما جرى فى سوريا

بقلم : د. عبد المنعم سعيد

 ليو شتراوس الفيلسوف السياسى المعروف قال إن جوهر السياسة هو أن تغير أو تحافظ؛ أن تغير عندما سوف يكون التغيير إلى الأفضل، وأن تحافظ عندما سوف يكون التغيير إلى الأسوأ. فى سوريا فإن كليهما التغيير والمحافظة قادا إلى دولة مدمرة، ومطية لكل القوى الإقليمية والدولية التى وجدت فراغا هائلا كان فرصة كبيرة لمد النفوذ أو للتخلص من أعداء فرعيين أو أصليين. لم تعد سوريا كما كانت، فلا باتت قلب العروبة النابض، ولا نجحت فى تحرير أراضيها المحتلة من إسرائيل منذ عام 1967، ولا بقيت الدولة السورية على حالها الذى كانت عليه. تغير كل شيء فى سوريا ولم يكن ذلك إلا إلى الأسوأ، وبقيت الدولة ممزقة إلى قطع مبعثرة. دارت الحرب لسبع سنوات عجاف، ولا يوجد ما يؤشر إلى سبع سنوات سمان، ما سوف يأتى ليس أقل سوءا مما ذهب، وبعد أن كانت الحرب أهلية بين السوريين، فإن الحرب باتت بين أطراف إقليمية ودولية على أرض سوريا، وأهلها وقود لهذا الطرف أو ذاك. الخسائر من الصعب حصرها، توقف العد منذ أكثر من عام للقتلى عند رقم نصف مليون، أما الجرحى فقد تعدوا ثلاثة ملايين، واللاجئون والنازحون أكثر من 11 مليونا، ومنذ أيام عاد نازحون إلى قراهم فلم يجدوا شيئا يستظلون به. سوف لا نحسب تكلفة الفرصة البديلة، أى تلك التى تأتى نتيجة إنفاق قيمة الخسائر التى حلت على التنمية والتطور بدلا من الحرب والدمار. من المسئول عن كل ما جرى فى سوريا؟

المؤكد أن هناك ما يكفى أطرافا عدة من الذنوب والمعاصى عما توالى حدوثه فى سوريا الشقيقة. دون ترتيب للأولويات والمسئوليات فإن النظام السورى يتحمل قدرا هائلا من المسئولية، فهو لم ينجح فى الحفاظ على الدولة المسئول عن أمنها وسلامتها الإقليمية. فلهذا كان وجود النظم السياسية بأشكالها المختلفة؛ المسألة هنا ليست عما إذا كان النظام ديمقراطيا أو ديكتاتوريا، وطنيا أو طائفيا، فأيا ما كان شكل النظام وأصله وفصله فهو يتحمل مسئولية تماسك البلد أو الدولة التى أقسم على حمايتها. ما جرى هو أن النظام لم ينجح لا سياسيا ولا عسكريا فى حماية الدولة، وإنما أكثر من ذلك استدعى قوى أجنبية لكى تدافع عنه، وتقتل أعداءه، وتستدعى تبعا لذلك أعداء آخرين. أساء النظام تقدير الغضب الشعبى ضد النظام، كما أساء قدراته هو فى اختيار الحل العسكرى للأزمة عندما بدأت، وفوق ذلك فإنه لم ينجح فى الحفاظ على قوته الداخلية، بل إن جيشه انقسم شيعا وأحزابا لأنه منذ البداية لم يكن الجيش العربى السوري، وإنما كان جيش طائفة وجماعة ووريثا جاء إلى سلطة دون موعد أو شرعية.

ثوار الربيع العربى السورى كان عداؤهم للنظام أكثر من حبهم لسوريا، وكان حسابهم للماضى أقوى وأكثر شمولا من استعدادهم للمستقبل. فى الحقيقة لم يكن هناك، مثلهم مثل كل أشكال الربيع العربى المزعوم فى دول عربية أخري، مشروع واحد للمستقبل. كانوا جماعات شتي، يحملون شعارات عديدة، وكلها دون رؤية متماسكة للتعامل مع سوريا ومعضلاتها بحيث يتم الحفاظ على الدولة ونقلها إلى المستقبل. ما جرى كان عكس ذلك كله، أصبحت «الثورة» تجميعا لمطالب مجموعات بعضها طائفى وبعضها الآخر أيديولوجي، وحتى الليبراليون منهم لم يكن لديهم أكثر من النيات الطيبة التى تغطى على رغبات شخصية شريرة. تغير القادة كما كان الليل يعقب النهار، وانتهى كل منهم إلى عاصمة أوروبية أو غربية، وفى كل منها كانت هناك وظائف، ومناطق آمنة. لكن سوريا ذاتها ضاعت، وعندما ظهر أن الاتجاه الليبرالى لم يعد لديه من الناحية العملية ما يقدمه، أو يحارب به نظاما مصمما على البقاء، فإنهم فعلوا ما فعلته جماعة الليبراليين فى دول أخرى وهى التحالف مع جماعات راديكالية إسلامية لم تكن المسافة بينها و«داعش» الكثير فكريا وسياسيا. وكانت تلك هى القشة التى قصمت ظهر البعير، وأعطت النظام السورى الشرعية التى يبحث عنها وهى مكافحة الإرهاب، بل إنها أعطت الشرعية لكل الطوائف التى كان الإرهاب يستهدفها لكى تفتح جبهات للحصول على مطالب طائفية. تفتت سوريا وتفككت، وحتى الجيش السورى الحر الذى خرج على النظام سرعان ما فقد فاعليته، وما تبقى منه ذهب للتحالف مع الأكراد أو مع الأتراك.

والحقيقة أن ما حدث فى سوريا لم يكن معلقا فى الهواء، فقد كانت الدولة واقعة بين العراق ولبنان، وفى كليهما كانت الجماعات المسلحة متنوعة، وكل منها يرغب فى العمق الإستراتيجى السوري، وكانت إيران فى العراق، كما أن حزب الله فى لبنان، وهكذا أصبحت سوريا بين طرفى الكماشة الإيرانية. وعندما بدا النظام على وشك الانهيار استدعى روسيا للتدخل، ولم تبخل روسيا فى الاستجابة لطلب يعطيها نافذة دائمة على شرق البحر الأبيض المتوسط، ويعطيها قاعدة عسكرية نشطة فى بطن حلف الأطلنطي. الوجود الروسى أوجد الدافع للتدخل الأمريكى ومن بعدهما التدخل التركي، ولوهلة بدا الأمر كما لو كان اتحادا عالميا إقليميا للحرب ضد «داعش» والدولة الإسلامية المزعومة، ولكن انهيار هذه الأخيرة سرعان ما جعل سوريا موطن حروب متعددة الأبعاد مضافا لها ساحة للتدريب العسكرى لتحالفات دولية تعودت على درجة من التنسيق فيما بينها فى أثناء الحرب ضد دولة «الخلافة». ومن يشهد الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية الأخيرة سوف يشهد عجبا لعملية عسكرية كانت كل تفاصيلها معروفة، وتوقيتها لم يكن يبعد عن التخمين، وبعد تهديد روسى بضرب الصواريخ الأمريكية فإنها جميعا أصابت أهدافها التى لم يكن تدميرها يختلف كثيرا عن التدمير الذى جرى فى كل أنحاء سوريا. هذه المرة كانت المسئولية تقع على قوى كبري، جلست قوى إقليمية أخرى فى ظلها تحاول الحصول على جزء من الكعكة السورية التى أضاعها نظامها، ومعه المعارضة السورية، لأنهم كما قلنا كانوا يكرهون بعضهم أكثر مما يحبون سوريا.

نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من المسئول عما جرى فى سوريا من المسئول عما جرى فى سوريا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon