توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فضيلة التراكم فى الثروة والفوز

  مصر اليوم -

فضيلة التراكم فى الثروة والفوز

بقلم : عبد المنعم سعيد

  لم تكن هناك مفاجأة في هزيمة فريقنا القومى لكرة القدم أمام كوريا، ولا حتى في نتيجتها الكاسحة. ما بقى لدينا كان حلمًا أو بحثًا عن معجزة منها أن تتولد لدى لاعبينا تسعون دقيقة من الحماس الوطنى أو حتى الشخصى ما يجعل فوزنا ممكنًا. مثل ذلك رغم احتمالات وقوعه، ويسميه الرياضيون «الريمونتادا»، فإنه لا يوجد تحليل علمى واحد يؤدى إليه، ولكن خيال الإنسان وأمانيه ليست لها حدود.

وقبل الخوض في باقى المقال، لابد من التنبيه أن الكاتب ليس محللًا رياضيًّا، ولم تسبق له المشاركة في الاستديوهات التحليلية، ولم يكن يومًا لاعبًا لكرة القدم. ولكنه باحث سياسى، وله قدرات في التحليل الاقتصادى والاجتماعى، وتخصصه الدقيق هو في الأزمات الدولية، وهو يجد في كرة القدم حالة اجتماعية واقتصادية وسياسية بالغة الحضور في الساحة العالمية. ومن ثَمَّ فإنه لا ينبغى أن توجد صدمة في الانتصار الكورى لأن جمهورية كوريا ناتجها المحلى الإجمالى أربعة أمثال الناتج المحلى المصرى (١.٩ تريليون دولار مقابل ٤٣٨ مليارًا)، وعدد سكانها نصف عدد سكان مصر تقريبًا. وصلت كوريا إلى كأس العالم في عام ١٩٨٦ ومن يومها وهى تصل في كل دورة، وفى عام ٢٠٠٢ استضافت كأس العالم مع اليابان، وفيه وصلت إلى الدور قبل النهائى. هل مثل هذه الأرقام لها ترجمة مباشرة للفوز والإجابة؟. ليس بالضرورة، ولكن القصة لم تنته بعد، فالحقيقة هي أن كرة القدم ليست لعبة آسيوية في الأساس، والصين رغم أن ناتجها المحلى أكثر من ١٧ تريليون دولار، وعدد سكانها مليار وأربعمائة مليون نسمة، لم يعطِها ذلك صوتًا ذائعًا في عالم كرة القدم. الهند رغم تقدمها لم تظهر في حدود ما أعلم في أي من دورات كأس العالم.

الحالة الكورية هي اختيار أن تدخل إلى ذلك العالم المثير وكثير المتعة، والأهم- ربما- أنه يقع في صميم المنافسة العالمية حيث الغرام الكورى والحب الأول. وبالنسبة لجيلنا فإن المعلومات الذائعة في معارفنا هي أنه حتى عام ١٩٦٠ كانت مصر تتفوق في كل أمر على كوريا الجنوبية، وكان لها باع في الكرة لم تعرفه الدولة التي عاشت ظروفًا قاسية خلال تاريخها الذي مزقها بين عملاقين: الصينى واليابانى، ثم بعد معاناة الحرب العالمية الثانية كانت قسوة الصراع الأمريكى الصينى. ما عرفه الكوريون الجنوبيون بعد نهاية الحرب الكورية هو أن خلاصهم من تنافس العمالقة سوف يكون التقدم الاقتصادى والاجتماعى والتكنولوجى من خلال اقتصاد السوق، واستقرار السياسة، وعدم الانخراط في النزاعات الإقليمية. بالطبع فإن الحالة الكورية أكثر تعقيدًا، ولكن ما يهمنا في هذا المقام هو ما حققته كوريا من تراكم نراه في كل المنتجات الكورية من «سامسونج» إلى فريقها في كرة القدم.

ما جرى لنا في مصر كان حالة من الإخفاق التاريخى لبلوغ مكانة الدول المتقدمة لأننا في لحظات التقدم الكبيرة نخرج من عباءتنا إلى الإقليم والعالم فتكون الهزيمة، وفى لحظات الإخفاق ننغلق على أنفسنا خوفًا من جرثومة التقدم. وفى كرة القدم بالذات خلقنا عالمًا خاصًّا يتحمس ساعة الفوز، وفى المقابل ينغلق على ذاته ساعة الهزيمة وأحيانًا التعادل، ويعتبرها جريمة تتطلب وفورًا إقالة المدرب وطاقمه والبدء من الصفر. لم يحدث ذلك مع الفريق القومى فقط وإنما أيضًا في النادى الأهلى الذي منه يخرج عصب الفريق القومى حيث بعد شهرين من التجديد للمدرب نتيجة انتصاراته العظمى، جرَت إزاحته بشياكة تليق بالنادى العريق لأنه أخفق في عدد من المباريات. ولحسن الحظ أن ذلك ليس حادثًا الآن في الساحة القومية إزاء عمليات التنمية المصرية منذ عام ٢٠١٤ حتى الآن، حيث التراكم يجرى على قدم وساق، وليس مصادفة أنه في جولة الحوار ما قبل الحوار السياسى العام أن حديث قوى كثيرة ترجمته التراجع والبدء من جديد وتوزيع ما جنيناه على الفقراء وليس مواصلة الدفع في حمايتهم من خلال البرامج الحالية.

مرة أخرى نحن إزاء لحظة فارقة، أن نستمر بنفس الزخم والسرعة والتراكم في بناء الدولة المصرية، أو نتقاعس ونتراجع حتى نستيقظ على لحظة- لا أعادها الله- أن نبدأ من جديد. وفى كرة القدم فإن الحاجة ماسّة إلى ذلك الصبر الاستراتيجى، الذي يجعلنا نفعل كما فعلت كوريا الجنوبية بنظام كروى يلتزم بما يلتزم به العالم من مواعيد وبرامج، وبمدرب يعرف كيف يفهم ظروفنا وقدراتنا مقارنة بقدرات العالم، ثم يخوض بنا معركة كأس العالم القادمة. كؤوس التنمية والتقدم لا تختلف كثيرًا عن كؤوس الكرة في فضيلة التراكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فضيلة التراكم فى الثروة والفوز فضيلة التراكم فى الثروة والفوز



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon