بقلم - عبد المنعم سعيد
هناك أخبار جيدة تخص القضية الفلسطينية: أولها أن هناك ٦ ملايين فلسطينى باقون على أرض فلسطين، الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، أى ما يماثل ٦ ملايين يهودى يسكنون الرقعة الجغرافية ذاتها. معنى ذلك أنه أيا كانت الأخبار المزعجة، بما فيها اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، فإن البشر باقون على أرضهم، ولا يمكن نزع جنسية البقاء الفلسطينية عنهم. وثانيها أن هناك مليونا وستمائة ألف فلسطينى داخل إسرائيل نفسها يشكلون أغلبية فى الجليل، وأقليات فى حيفا ويافا، والنقب والقدس حيث يعيش ٣٥٠ ألف فلسطينى يشكلون ٤٠٪ من المدينة، وفى مجموعهم يشكلون ٢١٪ من الإسرائيليين، فى مقابل ٥٠٠ ألف يهودى يعيشون فى مستوطنات داخل الضفة الغربية. وثالثها أنه أيا كان موقع الفلسطينيين، فى الضفة الغربية أو غزة أو الجليل أو فى المنافى البعيدة لكوكب الأرض، فإن الفلسطينيين لم يفقدوا هويتهم الفلسطينية.
الحقائق الديمغرافية على أرض فلسطين تنطق بقصة أخرى غير تلك التى تنطق بها الجغرافيا، الأولى يوجد فيها الحياة فلم يعد هناك مكان آخر يمكن للفلسطينيين اللجوء إليه، والثانية يوجد فيها الاحتلال والمقاومة والتمييز العنصرى والصمود. القصتان معا تحكيان أنه لا مفر من اتساق الجغرافيا والديمغرافيا، الأرض والإنسان، العرب واليهود. إسرائيل لا تستطيع التخلص من هذه المعادلات حتى ولو منحتها الولايات المتحدة ومعها ٣٣ دولة القدس عاصمة، ولا كذلك الفلسطينيون حتى ولو حدثت المعجزة الكبرى واتحدوا وحصلوا على التأييد الدبلوماسى من ثلاثة أرباع الدنيا فى كافة المنظمات الدولية.
الواقع يشهد شهادة أخرى غير تلك المخضبة بالدم والحرائق، والتى تكررت عبر سنوات فى حروب وانتفاضات وثورات، وفى النهاية يتعايش الطرفان معا، يذهب الفلسطينيون للعمل فى إسرائيل، ويذهب الإسرائيليون إلى مدن الضفة الغربية لإصلاح السيارات والكشف على الأسنان، وفى كل الحالات فإن العملة واحدة، والأهم السوق الاقتصادية بما فيها من عمل ومال وطاقة واحدة أيضا. وإذا كان هناك حل للقضية الفلسطينية فإنه سوف يكون ضمن هذه المعادلة، حيث بقى الفلسطينيون يمسكون بالأرض داخل وخارج دولة إسرائيل، ولا يوجد إمكانية لأن يعود الإسرائيليون بعد سبعين عاما من الدولة إلى حيث أتوا من قبل. كلاهما، أو أغلبيتهم على الأقل، رغم كل هذا العنف الذى يأتى ويذهب، يريدون الحياة أكثر من الموت. فلسطينيو إسرائيل ربما يشكلون نواة للمستقبل، حيث النضال ليس حول الاحتلال بقدر ما هو حول المساواة وحقوق الإنسان، وفى الكنيسيت فإن للعرب ١٣ عضوا، ويوم يتحدون سوف يكون لهم ٢٤ مقعدا تجعلهم ثانى أكبر كتلة سياسية فى البرلمان. فى كل الأحوال فإنه ما لم يتحد الفلسطينيون فإنه لن تكون هناك لا دولة ولا مساواة.
ماذا يفعل العرب مع هذه الإشكالية الكبرى؟، ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية كان فصلا من الكتاب المعروف للقضية الفلسطينية منذ بدأت المواجهات وحتى انتهت، والذى لا توجد فيه فصول عن أولويات الدول العربية، وتبعات الإصلاح فيها، ونتائج الحروب الأهلية فى خمس دول عربية، ولا حتى الصرخات المعروفة «أين أنتم يا عرب؟!»، وكأن فلسطين هى الهم الوحيد، ولا شىء عن فصل «الربيع العربى» المزعوم وتبعاته. من يريد للفلسطينيين شأنا عليه أن يتدبر ما نراه على أرض الواقع، من يقدس القدس فإن عليه الذهاب إليها وخلق الحقيقة الكبرى أن فلسطين جزء من بحر عربى، ومن يريد للفلسطينيين تمسكا بالأرض فإن عليه الاستثمار فى فلسطين من الجليل إلى القدس. ببساطة فإن المطلوب فتح كتاب جديد للقضية الفلسطينية، ومعها القضية الإسرائيلية أيضا، بحيث لا يكون كلاهما مصدرا للتهديد وإنما أساسا للأمل. الاجتهاد مطلوب، ومن لديه شك فى ضرورة الاجتهاد فربما عليه أن يتأمل ويسأل عن هؤلاء الذين ذهبوا إلى القدس لتدشين سفارة؟ ذلك موضوع آخر!.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع