بقلم - عبد المنعم سعيد
عندما تقرأ هذا العمود سوف يكون الموضوع كما لو كان حلما واندثر، وسوف ينضم إلى مجموعة من الأحلام الرومانسية القديمة، ولكنك سوف تندهش بشدة من قدرة الأسرة الملكية البريطانية على تجديد ذات الحلم كل بضع سنوات. جيلى وحده شهد الأمر من قبل مرتين على الأقل: الأولى عند زفاف الأمير تشارلز، ولى العهد، مع الأميرة ديانا، حيث كان فيه من الأحلام زهور وعطر وطقوس فيها عبق أزمان مزدهرة قديمة، حتى إن شبكة السى. إن. إن الإخبارية استعادت مرة أخرى موسيقى الفيلم «كاميلوت»، حينما كان «الملك آرثر»، صاحب «المائدة المستديرة»، يغنى للسماء سائلا إياها ألا تمطر، وأن تبقى الشمس ساطعة على حبيبته «جينفر» القادمة إليه للحب والزفاف.
ما جرى بعد ذلك لم يدفع أحدا لكى يتذكر أن «جنيفر» أحبت فارس المائدة «لانسلوت»، وأن «آرثر» حطم المائدة، وأخذ سيفه «إكسكالبر» ومضى يبحث عن «الكأس المقدسة»، والتى منها ارتشف المسيح قطرات ماء وهو فى طريق الآلام حاملا الصليب. هذه المرة، كما كان فى المرة السابقة لزواج الأمير «ويليام» مع الأميرة «كيت»، كانت ذكرى «آرثر» مختلطة مع الحدث فى الجزء الأول من قصة «كاميلوت» التى لمن لا يعرف هى جزء هام من «الهوية البريطانية». لم يرد أحد أن يفسد اللحظة الرومانسية، ولا نقاءها، ولا عبيرها، بما حدث لجنيفر عندما أحبت الفارس الآخر «لانسلوت»، ولا لديانا وتشارلز، كان هناك فصل جديد ناصع وساطع بمعانٍ نبيلة جاءت من جوف تجربة إنسانية صعبة ومعقدة لأولاد تشارلز وديانا: ويليام وهنرى الملقب بهارى.
ولكن العالم كله وقف على قدميه خلال أيام وأسابيع قليلة، لأن ما جرى بين تشارلز وديانا، وويليام وكيت، وهارى وميجان، كان تعبيرا عن رغبة عالمية كونية فى الحب والجمال، واللحظة الشبابية المفعمة بالعنفوان. لوهلة صغيرة، أو لغمضة عين، نسى مئات الملايين من البشر، وقيل مليار، أن هناك حروبا فى الشرق الأوسط، وأزمة نووية فى شبه الجزيرة الكورية، وبركان يقذف حمماً فى هاواى، وبات الكل يغمض عينه محاولا إمساك اللحظة لعلها تطول. الإعلام العالمى عرف كيف يستحلب الزمن، ويجعل من قصة زواج أمرا فريدا يكون فيه لكل جزئية من فستان الزفاف وحتى الشراب والطعام قصة وحكاية تستعيد ذلك الحلم الذى تتمنى فيه الفتيات أن يأتى فارس على جواد أبيض لكى يحملها إلى السعادة، فتكون أمنية كل فتى أن يكون ذلك الفارس.
ليس مهماً أن هارى عندما جاء يوم الزفاف كان يمتطى عربة «بورش» فذلك محض تفاصيل لا تخل من القصة الكبيرة. مرة أخرى تنجح الأسرة المالكة فى بريطانيا فى أن تمد فى عمرها، وتمد فى عمر الإمبراطورية البريطانية، حتى ولو كان نفوذها قد تقلص على أراضى «��لكومونويلث»، وبات رمزيا لا يزيد عن حاكم يمثل الملكة فى كندا وأستراليا، ومنظمة من دول عديدة تحاول الدولة البريطانية أن تجعلها بديلا عن الاتحاد الأوروبى. لم يعد التحدى «الجمهورى» كما كان، ولم يعد من الضرورى أن يصعد الشعب إلى السلطة، وإنما من الممكن أن تنزل السلطة إلى الشعب فى دغدغة جميلة لأحلام سعيدة يمسك بها الناس من حضر منهم لكى يشهد المشهد، ومن بقى يشاهد التفاصيل فى التليفزيون أو «يوتيوب» «الآى باد».
كل شباب الدنيا باتوا «هارى» للحظات قليلة، وكل فتيات الدنيا أصبحن «ميجان»، الجمال والشباب الدائم فى حزمة واحدة، أو هكذا كان الظن بعد أن بات الزفاف «عولمة» و«أمركة» فى الجوهر والتفاصيل، ومن أول نقوش طرحة الزفاف، وحتى جاءت القبلة التى انتظرها العالم طويلا، وعندما ذهبت انصرف إلى أمور أخرى، منتظرا حفيدا ملكيا يبعث الحلم مرة أخرى.
المصدر : جريدة المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع