توقيت القاهرة المحلي 22:40:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المذبوحة..!

  مصر اليوم -

المذبوحة

بقلم : عبد المنعم سعيد

حدثُ الأسبوع الماضى كان قيام الشاب التلميذ في جامعة المنصورة، محمد عادل عوض، بقتل الشابة التلميذة أيضًا، نيرة أشرف. ثلاثة أسباب جعلت من الحادث الأليم والبشع يغطى على كل أمور الدنيا من الحرب الأوكرانية إلى موجات التضخم العالمية، ويدفعه إلى ساحة النقاش في المجتمع، وامتلاك ناصية الأعمدة الصحفية: أولها فظاعة عملية القتل حينما طعن القاتل القتيلة، ثم سعى إلى ذبحها لولا تدخل جمع من المشاهدين. وثانيها أن الواقعة عكست حالة عاطفية من جانب واحد، وهى ليست حالة جديدة في المجتمعات، وفى العادة يتذكرها الناس في إطار فترة المراهقة التي تتميز بالاندفاع والتهور. وثالثها الطريقة التي عامل بها المجتمع الحدث، حيث تنوعت سبل الاقتراب من الموضوع، وتداخلت فيها علوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فضلًا عن إطلالة الدين والفنون. بات الأمر حلبة زادتها ضجيجًا أدوات التواصل الاجتماعى التي امتطاها متطوعون بالرأى، ومستغلون لحظة لاستخدام واقعة للإدانة واللعب على أوتار الخوف والوجل في وجدان العامة. اهتم الجمهور العام بمشهد مأساوى باندفاع لم تشهده وقائع أخرى قريبة من موقع الجريمة، حيث توجد مدينة المنصورة المتوهجة هذه الأيام بالتقدم العمرانى مع إضافة المنصورة الجديدة، والتقدم العلمى الجبار الذي يجرى داخل سور الجامعة؛ ولا بالتالى التساؤل حول الحالة الفريدة للمتغيرات التي تشهدها محافظة الدقهلية، والتى تجعلها بين المحافظات المتقدمة في التنمية البشرية. العادة البشرية هي اختزال الحياة إلى مشاهد محدودة، وعندما يرتبط فيها الحب والعاطفة بالجريمة والدماء فإن الأمر يصبح مثل خشبة المسرح التي تُختصر إلى مشهد، أو مثل شاشة السينما التي تفاجئ المتفرج بأن الشر يتجسد في لحظة.الأستاذ طارق الشناوى قال عن حق: «دماء (نيرة) في أعناقنا جميعًا. مَن يلوذ بالصمت كأنه يغرس السكين في رقبتها مجددًا». صديقى د. أسامة الغزالى حرب دعا إلى تدخل المتخصصين في علوم النفس والاجتماع للبحث في الحالة لعلهم يمنعون جرائم في دور الصنع. آخرون ذهبوا كما يحدث دائمًا إلى الدين وتطبيقاته في الحياة العامة ليس في مجال المودة والسكينة، وإنما في أبواب الشهوة. وموقع إلكترونى خبرى عقد استفتاء عن أسباب الجريمة، وعلى رأسها وضع «غياب الوازع الدينى»، وأضاف إليه «تعاطى المخدرات» و«تأثير بعض الأفلام والمسلسلات»، وحاز السبب الأول ٥٦٪ من المصوتين، والثانى ١٦٪، والثالث ١٨٪؛ وحازت «الأسباب الأخرى» ١٠٪. لم يكن في دائرة اختيارات الأسباب «التشدد الدينى» أو «الأسرة» أو «التعليم» أو «المجتمع» أو غياب الحريات الاجتماعية، حيث أحيانًا تقود هذه الأسباب جماعة أو منفردة إلى انغلاق الفكر، وضيق الرشد، وتصوُّر شاب أن الفتاة حين ترفض الزواج منه يكون جزاؤها الذبح. حلّت إلى الصورة فورًا أولى الجرائم في تاريخ الجنس البشرى حينما قتل «قابيل» الزارع «هابيل» الراعى، وسط مجتمع من أربعة يُضاف إليهما الأب آدم والأم حواء. لم تكن هناك أفلام ولا مسلسلات ولا أدوات للتواصل الاجتماعى؛ كانت الحياة بسيطة تقوم على جمع الثمار ما عدا التفاح، وبعض الرعى؛ لم تكن هناك سجلات لهذه المرحلة سوى ما ورد إلينا في الكتب المقدسة. لم تكن الحياة معقدة في الملبس والمأكل، ولم يكن هناك إلا ورق شجر التين لستر العورات.

الحقائق «المذبوحة» في هذه الآراء جميعها هي أن سكان المحروسة تجاوزوا مائة مليون؛ وطبقًا لمعلومات فإن هناك إضافة لما يتراوح ما بين ١٠ و١٥ مليون مهاجر ولاجئ جاءوا جميعًا من دول قريبة. وفى مثل هذا الحشد المليونى فإن جريمة من هذا النوع لا يمكن القبول بها أو تبريرها، ولكنها في التكرارية الإحصائية ممكنة الحدوث؛ ومع ذلك فإنه لا يمكن إعفاء المجتمع من البحث والتقصى والمقارنة مع المجتمعات الأخرى التي تتعدد هوياتها ودياناتها. وفقًا لمبادئ البحث العلمى فإن كل ما لدينا فرضيات تحتاج الاختبار على ضوء المعلومات والأرقام، وبهذه الطريقة وحدها يمكننا استبعاد آراء وأفكار وشطحات تنتشر وتتولد منها تفريعات ما أنزل الله بها من سلطان ولا تدخل في إطار المعرفة أو العلم ولكنها في كل الأحوال تبحث عن السياسة. ما يُذبح في الوقائع المختلفة هو «الحقيقة»، التي تظل هائمة تنتظر حدثًا جديدًا تضيفه إلى قائمة الأحداث القديمة، ولكنها تصب نارًا في دائرة الانقسام الاجتماعى حول الدين والفنون والحجاب والنقاب وعلاقة الذكر بالأنثى. وبصراحة ماذا تفعل أقسام الاجتماع وعلم النفس في جامعاتنا؟، نحن نعرف جيدًا مَن الذي قتل «نيرة» لأنه اعترف واستسلم، ولكننا لا نعرف حقًّا وعن يقين لماذا فعل ذلك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المذبوحة المذبوحة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon