توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قصة مصرية وعربية أيضاً

  مصر اليوم -

قصة مصرية وعربية أيضاً

بقلم : عبد المنعم سعيد

تعودت في صحيفة «الشرق الأوسط» الغراء أن يكون مقالي فيها مشغولاً بالحالة العربية، وعلاقات العرب بالعرب، والعرب بالعالم؛ ومع هذا كله حالة العالم نفسه وما فيها من صعود وسقوط. نادراً ما كتبت عن مصر إلا في السياق العربي، وعندما هزني شوق كتبت عن ليلى مراد أو لحظة تاريخية عند وفاة الرئيس حسني مبارك، فاستعرت من نجيب محفوظ روايته «أمام العرش» لكي أضع الرئيس مبارك في صف حكامنا الطويل لكي يقول كلمته ودفاعه. هذا الأسبوع سوف يكون هذا المقال ضمن هذه الاستثناءات، فما حدث في مصر كانت بدايته قبل أسبوعين، واستمرت القصة على مدى أسبوع، عندما لم يكن الزمن رحيماً بالمحروسة حينما توالت سلسلة من الكوارث الكبرى، متجمعة ومتلاحمة، وعاكسة مساراً غير المسار الذي تسير فيه مصر. جاءت الكارثة الأولى حينما جنحت سفينة «إيفر غيفن» العملاقة للغاية على شاطئ قناة السويس، وأصبحت صورتها معلقة بين ضفتين، علامة دولية في الإعلام العالمي على مدى أسبوع بارتفاعها الهائل وحاوياتها متعددة الألوان ولافتتها «إيفر غرين» الداعية إلى عالم صديق للبيئة ومدافع عنها. في الكارثة الثانية، اصطدم قطاران وراح ضحيته معه عشرات، وجرح مئات، ولم تنم أسر انتظاراً لغائب لا يعود. وفي الثالثة سقط مبنى عقاري في كومة تراب ومعه ضحايا وجرحى وآلام أسر ومجتمع وبكاء على حظوظ ضائعة. وكأن كل ذلك ليس كافياً، وأن القصة المصرية تحتاج إلى قصة إضافية تراجيدية قامت على اندفاع فتاة في مقتبل العمر بسيارتها في سرعة خرافية على واحد من الطرق السريعة حتى اصطدمت بسيارة نقل كبيرة، فكان ركام ودماء فردية انضمت إلى ركام ودماء أخرى جماعية سابقة. القصص كلها على اختلافها مسّت أعصاباً حساسة حول سلامة مشاريعنا القومية، والطريق الطويل الذي على مصر السير فيه حتى تتخلص من مشكلات قديمة متراكمة، والحيرة الشديدة إزاء جيل جاء إلى عصر في دولة عاشت عصوراً طويلة على مدى سبعة آلاف عام.
ولكن، إذا كانت للسفن العملاقة أن تجنح وهي التي تسيرها أحدث النظم التكنولوجية والمعرفة الهولندية والملكية اليابانية، فإن الأمم العظيمة لا تجنح، وإنما تمضي في طريقها الذي اختطته لنفسها؛ وما كانت مصر تعده لنفسها من استعداد لمرافقة مومياوات لأسر ملكية فرعونية في الثالث من أبريل (نيسان) في طريقها من متحف ميدان التحرير القديم إلى متحف الحضارات العريقة الجديد. الرحلة الملكية لم تكن علامة فقط على عراقة مصر، وإنما بداية لعرض نتائج مبشرة لا تقل عظمة، تفتتح فيها مشروعات سنوات سابقة فيها متاحف وبنية أساسية وعاصمة جديدة وانطلاقات طويلة على طريق التقدم. كان ذلك احتفاءً بالماضي والحاضر، ولكن الاحتفاء بالمستقبل جاء عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة كبرى لإنشاء «الدلتا الجديدة» التي تقع غرب الدلتا القديمة وممتدة على جنوب الساحل الشمالي على محور الضبعة في الصحراء الغربية، ومساحتها مليون فدان يضاف إلى الرقعة الزراعية المصرية، كما يجتمع مع مليونَي ونصف مليون فدان جرى العمل فيها خلال السنوات الخمس الماضية في سيناء ومحافظة المنيا ومناطق متفرقة بين الوادي القديم والآخر الجديد. وبينما أعلن الرئيس السيسي الثورة الخضراء في مصر، فإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أعلنها في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط كله من خلال زراعة 10 مليارات شجرة في بلاده، والسعي بالتعاون مع دول المنطقة لزراعة 40 مليار شجرة إضافية. في الحالتين، المصرية والسعودية، يوجد هدف توسيع المعمور، ومقاومة التصحر، وزيادة توليد الأكسجين والتقليل من ثاني أكسيد الكربون، ودخول القرن الحادي والعشرين من أوسع أبوابه.
بعد أسبوع واحد من جنوح السفينة «إيفر غيفن» كانت في طريقها إلى البحيرات المرّة في منطقة الإسماعيلية لاستكمال الفحص الفني ومراجعة الخطوات التي أخرجتها من الجنوح إلى المسار البحري ومسيرة التجارة الدولية. أثناء ذلك كان المشهد المصري في أفضل حالاته، فهيئة قناة السويس التي بدأت العمل في 1869 راكمت خبرات طويلة ندر أن تتوافر لهيئات مماثلة، وتحت الإدارة المصرية منذ تأميمها عام 1956، فإن القناة وهيئتها استكملت قدراتها الخاصة والمتقدمة تكنولوجياً من الحصول على آخر ما وصل إليه العلم من قدرة تكنولوجية وبشرية لأفضل عناصر الهندسة في الجامعات المصرية، والتي لا تبخل عليها الدولة بالحصول على علم في أرجاء المعمورة الأربعة. المشهد العربي أثناء «الأزمة» كان رائعاً ومسّ أوتاراً حساسة لدى المصريين، فلم تتخلف دولة عربية عن الاستعداد لتقديم العون، وكان لعرض العون الخليجي وخاصة من المملكة والإمارات، ما تعوّده المصريون من إخلاص. ما حدث للسفينة في جنوحها ربما لم يختلف كثيراً عما كان يحدث للدولة المصرية وهي تحاول بموجة إصلاحية واسعة أن تصلح المكسور، وتقوّم المعوج، وتستقيم المنحرف في الأوضاع والقوانين والتقاليد التي دامت لأكثر مما ينبغي ولا تناسب ألفية جديدة لا تزال في عقودها الأولى.
القصة المصرية هكذا تعود إلى أصولها الطيبة الأولى التي عاشتها في لحظات تاريخية سابقة، ولكن هذه القصة لا يكتمل خيرها ما لم تلتحم بالروابط العربية القريبة والتي تسير هي الأخرى في لحظات إصلاح عميقة. لن نعيد تكرار ما ذكرناه هنا مراراً من أن العرب ليس لهم في النهاية إلا أشقاؤهم في العروبة، ولن نحكي مرة أخرى عن أحوال العالم التي ينغلق كل من فيها على نفسه، وإذا خرج فإنه يخرج بحثاً عن مصالح آنية وبعضها عدواني لا يرى في العرب إلا ما يسيء لهم. وإذا كانت مصر والسعودية معاً يبدآن ثورة خضراء جديدة لمنفعتهم ومنفعة الإنسانية، فلماذا لا تلتقي منطقة العلا مع سيناء وخليج العقبة في وسطهما في عمليات للتنمية الشاملة؟ لا ينبغي أن ننسى أن جامعة الملك سلمان هي زهرة الجامعات المصرية في شبه الجزيرة؛ وأن الحقائق الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى تجعل منطقة شمال البحر الأحمر على جنبات البحر وخلجانه تمثل قصة مصرية - عربية غنية ومثيرة. خلال السنوات الأخيرة أقامت مصر بدأب وإصرار منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط الذي دار حول الغاز واكتشافه وإنتاجه وتسييله ونقله وتصديره وتصنيعه؛ ولكنه في الواقع كانت له نتائج استراتيجية إيجابية ظهرت في تلجيم مواقف دول، وحل الأزمة الليبية في النهاية. تفاصيل ذلك ودلالته ليس موضعها هنا، ولكن الجوهر هو أننا أمام ظواهر إيجابية وفائدتها عظيمة وروابطها مباركة من التاريخ والعلاقات الديمغرافية بين شعوب عربية. منطقة للرخاء المشترك أو منتدى تعاون لشمال البحر الأحمر يمكن أن يشكّل بداية ليس فقط في الثورة الخضراء، وإنما في ثورة سياحية كبرى تجعل المنطقة المحتضنة للعديد من المسارات المقدسة قصة تاريخية عظمى تلتحف بالعديد من الحضارات الإنسانية. لقد بدأت القصة بمصر، ولكن القصص المصري لا يبقى على حاله مصرياً، وإنما لا يلبث أن يلتحم ويلتحف بقصص عربية تزيدها قوة وعنفواناً وجاذبية وإثارة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة مصرية وعربية أيضاً قصة مصرية وعربية أيضاً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon