بقلم: عبد المنعم سعيد
العالم فيه الكثير من التفاصيل، الكبير فيها والصغير، والماكرو والمايكرو أيضا. ولكن هناك مستويات أعلى فى النظر تكون فيها التيارات والمتغيرات الكبرى فارقة تاريخية تشكل مفاتيح رئيسية الرؤية والتحليل تغنى عن النظرة المباشرة والضيقة لما يجرى من أحداث. «ستيفن والت» عالم العلاقات الدولية فى جامعة هارفارد وأحد الرواد الباقين للمدرسة «الواقعية» فى فهم العلاقات الدولية، هو باختصار الوريث للأسماء الكبرى من «هانز مورجانثو» فى أعقاب الحرب العالمية الثانية و«هنرى كيسنجر» حتى العام الماضي، نشر مؤخرا مقالا فى دورية «السياسة الخارجية» يقول فيه بوجود اتجاهين كبيرين متصادمين فى العالم. الأول هو الزيادة المتصاعدة فى المدى والدقة والقدرة على القتل والتدمير فى التسليح المعاصر. فقبل قرن من الزمان كانت القوة الجوية فى دور الرضاعة، والصواريخ والمدفعية لم تكن دقيقة ومداها محدود. فإذا كان المراد تحقيق الضرر للعدو، فلابد من قهر جيشه، وحصار مدنه. والآن فإنه بعد تحييد الأسلحة النووية ومنصات نقلها، وقصرها على الردع منذ 1945، فإن التقدم بات حادثا فى كل أنواع التسلح مع مولد الطائرات الطويلة المدى، والصواريخ البالستية، والطائرات المسيرة، والذخيرة الدقيقة، وما لا يقل أهمية عن ذلك السهولة فى الاستخدام حتى إن تنظيما للحوثيين يمكنه الاشتباك مع سفن عملاقة لدول عظمى.
الاتجاه الثانى هو تعميق التعميم والتشدد السياسى لأشكال الهوية والولاء المحلي، وباختصار شعور الأمة. الخمسمائة عام الماضية شهدت كيف أن مجموعات من القبائل تتجمع على لغة وثقافة مشتركة، وحالة من الإثنية والوعى الذاتى والقدرة على حكم الذات، يمكنها مواجهة قوى أكثر غنى وعلما وقوة. غياب ذلك فى الإمبراطوريات النمساوية والعثمانية والبريطانية والفرنسية والبرتغالية والبلجيكية أدى إلى انهيارها بعد الحرب العالمية الأولى. الواقع الآن يشهد كيف أن الفيتناميين والأفغان والأوكرانيين والفلسطينيين يمكنهم المواجهة مع الأمريكان والسوفيت والإسرائيليين التى تجعلهم على الأغلب أكثر قدرة على المقاومة وبناء عزيمة تواجه مستويات عالية من التقدم.
*نقلا عن الأهرام