توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منطقة شرق المتوسط للرخاء المشترك

  مصر اليوم -

منطقة شرق المتوسط للرخاء المشترك

بقلم - عبد المنعم سعيد

في هذه الصحيفة الغراء نشرت يوم الأربعاء 21 يونيو (حزيران) 2017 مقالاً بعنوان «منطقة للأمن والرخاء المشترك»، وكان قوامه أن الاتفاقية البحرية المصرية ـ السعودية فتحت الأبواب لمستقبل واعد يقيم منطقة للرخاء المشترك في البحر الأحمر بين مصر والمملكة. ويسير البلدان في خطط تنمية طموحة وفق «رؤية 2030» وما انبثق عنها من مشروعات تنموية شجاعة.

ودون الدخول في تفاصيل تعيد ما سبق ذكره، فإن ما جرى في البحر الأحمر يتكرر الآن في منطقة جديدة لا تقل اتساعاً عن البحر الأحمر، وهي منطقة شرق البحر المتوسط. ومرة أخرى، فإن مفتاح الأمر كان تخطيط الحدود البحرية المصرية ـ القبرصية، التي نجم عنها أولاً اكتشافات كبيرة للغاز في المياه الاقتصادية المصرية والقبرصية. وثانياً اتفاقاً مصرياً قبرصياً مبدئياً لأن تقوم قبرص بإرسال غازها إلى مصر من أجل تصنيعه وتسييله وتصديره. وقبل توقيع الاتفاق النهائي في هذا الشأن وقّعت شركة «دولفينوس» المصرية اتفاقاً مع شركة «نوبل» الأميركية، وشركائها الإسرائيليين صفقة قدرها 15 مليار دولار للاستقبال الأولي للغاز المتولد عن حقل تامارا الإسرائيلي عبر شبكة أنابيب الغاز المصرية البحرية الموجودة بالفعل من فترة سابقة من أجل تصنيعه وإسالته وتصديره.
أصل الحكاية كلها بدأت منذ ملايين السنوات عندما تدفقت مياه النيل حاملة معها «الغرين» أو الطمي والأشجار والأحجار والطين والمخلفات عبر طريقها الطويل من المنابع في إثيوبيا والسودان إلى المصب في البحر الأبيض المتوسط. وكما حدث في خليج المكسيك بالولايات المتحدة عندما حدث أمر مشابه في خليج المكسيك من قبل نهر المسيسبي، فإن الحرارة والضغط والزمن جعلت المكونات العضوية التي حملتها الأنهار العذبة تتحول إلى غاز ونفط في المياه المالحة. ومع مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فإن اكتشافات الغاز تحولت إلى حقول بات معروف منها حقل «إفروديت» في قبرص، و«تامارا» و«ليفاثيان» في إسرائيل، و«ظهر» ـ وهو أكبر الحقول ـ في مصر. وهناك على السواحل الفلسطينية في قطاع غزة، وتلك اللبنانية ما يبشر بوجود حقول مماثلة. ودون الدخول في كثير من التفاصيل الخاصة بالشركات والممتلكات وأمور اقتصادية ومالية أخرى، فإن الحقيقة الماثلة هي أن النفط والغاز يشكلان الآن واقعاً للتعاون والفوائد المشتركة بين دول شرق البحر المتوسط. والحقيقة الأخرى، كما كان فيما يخص البحر الأحمر، هي أن اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية وفقاً لقانون البحار قد خلقت واقعاً قانونياً يحوّل الغاز والنفط من سبب للصراع إلى وسيلة للتعاون والمشاركة في الرخاء.
ولحسن الحظ، أن مصر كانت مستعدة للعب دور محوري في هذا النوع من التفاعلات؛ نظراً لتاريخها السابق في نقل النفط عبر قناة السويس وخط «السوميد» من الدول العربية المنتجة للنفط، وبخاصة المملكة العربية السعودية إلى مناطق الاستهلاك في أوروبا؛ ونظراً لأنها حالياً تمتلك منصتين لتسييل الغاز، أولاهما الشركة المصرية الإسبانية للغاز بدمياط، والأخرى الشركة المصرية لإسالة وتصدير الغاز بمدينة إدكو؛ ونظراً لامتلاك مصر أكبر شبكة أنابيب لنقل الغاز ممتدة حتى الحدود مع إسرائيل والأردن عبر خليج العقبة. وغني عن الذكر أن مصر تشكل أكبر أسواق المنطقة استهلاكاً للغاز، سواء كان ذلك من أجل الصناعة، حيث إن معظم الصناعات المصرية كثيفة الاستخدام للطاقة (حديد وصلب وإسمنت ومواد بناء وألمونيوم وبتروكيماويات)، بالإضافة إلى احتياجات سكانها من الطاقة الكهربائية وعددهم يتجاوز الآن 100 مليون نسمة. هذه الخصائص جعل مصر مهيأة لكي تكون الرابط بين منطقة البحر الأحمر وتلك التي تتشكل في شرق البحر الأبيض المتوسط. ولعل الحملة العسكرية التي شنتها القوات المسلحة المصرية في العملية «سيناء 2018» لكسر العمود الفقري للإرهاب في سيناء، والتي لا تزال مستمرة حتى وقت كتابة هذا المقال، هي المكون الاستراتيجي لجعل سيناء رابطاً أساسياً في هذه العلاقة بين البحرين.
وكما هو الحال دائماً في العلاقات الدولية والإقليمية، فإن المتغيرات عادة ما تولد رابحين وخاسرين، ومعها تحركات مضادة. وفي حالتنا هذه، فإن تركيا طرحت نفسها فوراً من خلال وجودها في قبرص التركية بعدم الاعتراف بالاتفاقية المصرية القبرصية؛ كما أن جماعات في مصر والعالم العربي بدأت في طرح تأثير هذه المتغيرات على القضية الفلسطينية. الموقف التركي يمكن فهمه من خلال الجغرافيا السياسية باعتبارها دولة مطلة على شرق البحر المتوسط، واقتصادياً على أن الغاز المتولد في المنطقة سوف يكون منافساً للغاز الروسي الذي يمر إلى أوروبا من خلال الأراضي التركية. لكن فهم الدور التركي لا يعني القبول به، فلا قبرص التركية حقيقة دولية ما دام لا يعترف بها أحد سوى تركيا ذاتها، كما أن المنافسة واردة دائماً في كل السلع العابرة للحدود والقارات أيضاً. بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإنه لا يوجد ما يشير إلى أن المتغيرات الجديدة سوف تضر بالضرورة بالقضية. وعلى العكس، فإنها يمكن أن تفيدها ليس فقط لأن الساحل الفلسطيني يحتوي أيضاً على الغاز، وأنه يمكن ترسيم الحدود المصرية الفلسطينية، وتلك الفلسطينية الإسرائيلية في البحر بطريقة أكثر سهولة من ترسيمها في البر. باختصار، فإن إسرائيل المستوعبة في منطقة للرخاء المشترك ربما تكون أكثر مرونة وأقل تعنتاً من وجودها في منطقة للصراع الدائم، وبخاصة إذا ما كان الأمر سوف يشمل ليس فقط الفلسطينيين، وإنما أيضاً لبنان وربما سوريا في المستقبل.

الملاحظ هنا، أن هذه المتغيرات لا تشمل فقط دولاً لها حدود اقتصادية بحرية، وحقولاً عابرة لهذه الحدود، وسلعة متعددة الأغراض، فضلاً عن كونها أكثر صداقة للبيئة، وإنما تشمل دولاً كثيرة؛ فإسبانيا شريك أساسي في محطة مصرية للإسالة، وكذلك إيطاليا التي اكتشفت وطورت حقل «ظهر»، فضلاً عن مشاركتها في محطة إسالة، وأيضاً الولايات المتحدة الأميركية ذات النصيب الأكبر في الحقول الإسرائيلية، أما روسيا فقد اشترت بالفعل نصيباً مرموقاً من حقل «ظهر». المسألة هكذا أصبحت ذات طبيعة دولية فضلاً عن إقليميتها، ورغم أن مكوناتها حتى الآن ذات طبيعة «جيوـ اقتصادية»، فإن الأمر على الأرجح سوف يولد نتائج جيوـ سياسية أيضاً. وفي مقال الأسبوع الماضي أشرنا إلى «عودة الجغرافيا السياسية»، ولعل ما يجري الآن، وسوف يجري في المستقبل القريب، سوف يتعلق بهذه العودة؛ وهو ما يتطلب نوعيات جديدة من التفكير المتعلق بالأمن الإقليمي، وتسوية آثار ما نجم عن الربيع العربي المزعوم من عنف وإرهاب وضرب الاستقرار داخل وخارج دول المنطقة. وكما يقال دائماً في مثل هذا المقام، فإن في الأمر دائماً مخاطر وفرصاً، وفي الظن هنا أن الفرص أكبر، وكل ما نحتاج إليه هو التعلم من سابق ضياع الفرص، فربما ننجح هذه المرة!

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منطقة شرق المتوسط للرخاء المشترك منطقة شرق المتوسط للرخاء المشترك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon