توقيت القاهرة المحلي 06:19:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترمب بعد عام

  مصر اليوم -

ترمب بعد عام

بقلم - عبد المنعم سعيد

لن يكون الرئيس دونالد ترمب رئيساً عادياً في التاريخ الأميركي عندما يرد في أحوال المؤرخين عن الدولة العظمى في العالم. وبشكل ما فإن كل رئيس أميركي كان رئيساً غير عادي، لأن كلاً منهم عاش ظروفاً محلية ودولية مختلفة، وكان عليه بشكل أو بآخر أن يتعامل معها من منطلق خصائص الدولة الأميركية الفريدة في اتساعها الجغرافي وإمكانياتها الغنية وتركيبة شعبها المهاجرة.

ومع ذلك فإن ساكن البيت الأبيض الآن سوف يظل حالة فريدة، لأن أمر سابقيه، وربما لاحقيه أيضاً، كانت «إدارتهم» هي الأصل في الموضوع التاريخي، أما الشخص نفسه فهو يحاسب من منطلق «إدارة» الإدارة وقيادتها نجاحاً وفشلاً، وساعتها فإن «البيت الأبيض» سوف يكون مؤسسة قائدة لمؤسسات أخرى تشكل في مجموعها النظام الأميركي في عهد رئيس بعينه. ترمب بات بشخصه حالة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، لأن شخصيته وتكوينه وسلوكه ربما كان لها تأثيرات كثيرة داخل المجتمع الأميركي، أو حالة من نوع خاص داخل الرأسمالية الأميركية؛ ولكن وصوله إلى البيت الأبيض ظل طوال العام المنصرم، وحتى كتابة هذه السطور، يشكل حالة خاصة عكستها كل الكتابات الأميركية التي تناولت العام المنصرم من قيادته، بما فعله وما لم يفعله رئيس الدولة خلال العام الأول من رئاسته.

وقد يلخص حالة الرئيس الأميركي في عامه الأول تلك المشاهد التي عاشها حينما ذهب إلى «منتدى الاقتصاد العالمي» المنعقد في «دافوس» في نهاية الأسبوع الماضي، حيث يجتمع قادة العالم سواء هؤلاء الذين يقودون الدنيا من خلال دولهم، أو الشركات العظمى في الدنيا، أو المنظمات العالمية المختلفة، والذين يجتمعون على أمر أن «العولمة» هي خير للإنسانية، وإذا كان لها أعراض جانبية سلبية فإن العولمة كفيلة بتصحيح نفسها. وحينما وصل ترمب إلى المدينة المثلجة في جبال سويسرا، فإن استقباله عكس طبيعته الخاصة عندما قدمت مطاعم المدينة الصغيرة وجبات خاصة باسم «بيرغر ترمب» و«بيتزا ترمب»؛ ولكن الاحتفال الأكبر جاءه من جمهور أوروبي وجد أن قانون الضرائب الذي نجح في تمريره قبل نهاية العام المنصرم كان يشكل درساً أميركياً للدول الأوروبية ذات الضرائب المرتفعة.

ولكن الهجوم على ترمب جاءه من مواطنه وأحد أعضاء نادي الأغنياء في نيويورك الذي يعرفه الرئيس جيداً، وهو جورج سورس الملياردير صاحب «مؤسسة المجتمع المفتوح» - (وهي منظمة أهلية معنية بالعولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان) حسب زعمها - راح يهاجم رئيسه من منطلقات نزوعه للديكتاتورية والديكتاتوريين في العالم، وموقفه المعادي لقضية «الاحتباس الحراري»، واحتمالات قيادته العالم إلى حرب نووية بسبب إدارته للأزمة مع كوريا الشمالية. وربما كان جورج سورس ومؤسسته التي وهبها على مدى السنين قرابة 18 مليار دولار في حالة عداء شديد مع ترمب؛ ولكنه في كل الأحوال يظل ممثلاً لحالة عداء مستحكمة في الولايات المتحدة ضد الرئيس الأميركي.

وفي الحقيقة، فإنه رغم كل العداء من دوائر شتى تشمل الليبراليين والديمقراطيين والإعلام، وحتى بعض الأعضاء الكبار في الحزب الجمهوري، فإن ترمب كانت لديه قصة نجاح يكررها كثيراً وكلها تتعلق بالنجاح الاقتصادي الذي كان وعداً رئيسياً من حملته الانتخابية، وهو في طريقه إلى البيت الأبيض.

فقد ارتفعت معدلات النمو في الاقتصاد ومعها انخفضت معدلات التضخم والبطالة إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات طويلة، وبشكل ما فإن الاقتصاد الأميركي قد وصل إلى درجة التشغيل الكامل تقريباً. وصحيح أن هذا الاتجاه قد بدأ أثناء فترة إدارة أوباما، وأنه يمكن أن يُعزي إلى إصلاحاته التي قام بها في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008؛ ولكن المؤكد أن ترمب لعب دوراً لا يقل أهمية من خلال الإجراءات التي اتخذها لرفع القيود عن الاقتصاد الأميركي وتحفيز الاستثمارات فيه، ووقف سلسلة الهروب منه من قبل شركات كثيرة وحتى بدأ بعضها في العودة إلى الولايات المتحدة مرة أخرى بعد الهجرة منها. قانون الضرائب مثل إضافة مهمة من المحفزات للاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية، وكانت كافية لإعلان انتصار فلسفة «أميركا أولاً» وأن الدولة في طريقها لكي تكون عظيمة مرة أخرى.

مثل هذا النجاح لا يلقى قبولاً بين كثير من المراقبين الذين يرون أن ترمب في عامه الأول لم يحقق النجاح الذي كان يتوقعه، وقد ظهر ذلك فور انتهاء العام الأول عندما وجد الحكومة الفيدرالية تغلق أبوابها نتيجة رفض أعضاء مجلس الشيوخ الميزانية التي قدمتها حكومته بما فيهم أربعة أعضاء جمهوريين. وقبلها كان الحال كذلك فيما تعلق بإلغاء قانون أوباما للرعاية الصحية، وفيما عدا قانون الضرائب فإن ترمب لم يحقق نجاحاً يذكر في التصديق على القوانين التي طرحها؛ وحتى بعض النجاح الذي حققه كان راجعاً إلى ما عرفوا «بالبالغين» من أعضاء إدارته مثل ماتيس في الدفاع، وتيلرسون في الخارجية ومكماستر في مجلس الأمن القومي وكيللي كبير موظفي البيت الأبيض.

ويشير سجل دونالد ترمب خلال عامه الأول أنه لم ينجح في إعادة بناء السلطة التنفيذية بعد أن ترك فراغات كبيرة فيها دون تعيين، حيث ملأ 300 مكان فقط مما استوجب عليه ملأه، مقارنة بـ500 عينهم جورج بوش الابن خلال عامه الأول. وبشكل ما فإن آلة الدولة الأميركية بدت غير مستجيبة لترمب، وهو الذي اعتاد الإدارة من خلال الشركات الكبرى التي لا تقوم إزاء رئيس مجلس إدارتها إلا بالطاعة لما يعطيه من توجيهات.

وطبقاً لبعض الكتابات الصحافية، وأحياناً إيماءات من ترمب نفسه، أن مقاومة شديدة لبرنامجه جرت من قبل «الدولة العميقة» في الدولة الأميركية والتي تقاوم ولا تطيع ما يعطيه من أوامر، وهي دولة تشمل مجمع المخابرات الأميركي، والدبلوماسيين، والموظفين العموميين، والقادة العسكريين. هؤلاء جميعاً لديهم نظرة سلبية لترمب، وتخوف من تعبيراته التي تنم عن نوع من الانعزالية الشعبوية التي تفقد الولايات المتحدة قيادتها في الخارج، وتضعف من حيويتها في الداخل. ولا يوجد موضوع يعبر عن هذا التوتر الساري في أعصاب الدولة الأميركية بين ترمب والمختلفين معه والمعارضين له، قدر ما هو معروف باسم «روسياغيت» التي تتعلق بالمدى الذي وصلت إليه الحملة الانتخابية الأميركية في التواصل مع روسيا والرئيس بوتين شخصياً، وقيام هذا الأخير بالتدخل في الانتخابات الأميركية من أجل هزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات. فلم يعد الموضوع مجرد ظنون، وإنما تحقيقات واسعة تجري عن طريق مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومعها لجان في الكونغرس، كلاهما يستدعي أفراداً للتحقيق، وتصبح العملية يوماً بعد يوم أصداء لعصر سابق وصلت فيه عملية مشابهة للإطاحة برئيس سابق هو ريتشارد نيكسون.

والحقيقة أنه من المبكر الحكم على كل ذلك بالوصول إلى النتيجة نفسها، خاصة أن الحزب الجمهوري يسيطر على مجلسي الكونغرس النواب والشيوخ، ولا يوجد بين صفوف الجمهوريين من وصل عداءه لترمب إلى الاستعداد للتضحية بمقعد الرئيس في البيت الأبيض لصالح الديمقراطيين!

نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب بعد عام ترمب بعد عام



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon