توقيت القاهرة المحلي 06:19:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظرة استراتيجية للتعامل مع أوضاع المنطقة

  مصر اليوم -

نظرة استراتيجية للتعامل مع أوضاع المنطقة

بقلم : عبد المنعم سعيد

كان الرئيس الراحل حسني مبارك - رحمه الله - ممن ذاقوا مرارة الموقف الأميركي عندما أعطى الرئيس باراك أوباما الإشارة إلى الجماعات الثائرة في ميدان التحرير بالقاهرة تحت قيادة «الإخوان المسلمين» بأنه على الرئيس أن يرحل والآن، و«الآن» تعني تماماً «الآن». لم يكن ذلك يعني ساعتها خلافات حول مصالح استراتيجية في المنطقة تخص أميركا، وإنما كان نظرة إلى العالم والتاريخ، فمن مذكرات الرئيس الأميركي نعرف أن دينيس روس المسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي كان هو الذي قاد وجهة النظر التي قالت بأن الرئيس يواجه لحظة تاريخية، وعليه أن يقرر عما إذا كان يسير مع التاريخ أو ضده. ما حدث بعد ذلك معروف ومسجل، ولكن ما لم يسجل بعد في الدوائر الأميركية بما فيه الكفاية أن إدارة أوباما لم تكن هي المطلقة في مصر، وإنما كانت إرادة الشعب المصري هي التي حسمت الأمر في النهاية عندما عكست إرادة التاريخ الأميركية و«الإخوانية»، وجرت الإطاحة بحكم «الإخوان» بعد عام واحد من وجودهم في السلطة. ما لم يسجل أيضاً بما فيه الكفاية أن القرار المصري استقر كما نراه الآن عندما قامت المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والبحرين بتقديم العون لمصر، ولم يكن مالياً فقط، وإنما تعبئة موارد دبلوماسية وسياسية في المنطقة والعالم لكي يحصل المصريون على ما يريدونه من استقلال القرار. كانت لحظة حاسمة تماماً مثل لحظة سابقة، قيل فيها في القاهرة إن العدوان على الكويت، وتهديد السعودية، لن يمر، ولم يمر؛ وتحررت الكويت، وزال التهديد عن السعودية، بفعل تحالف عربي وعالمي، لعبت فيه الولايات المتحدة دوراً هاماً، لكنه ليس الوحيد. كان التاريخ في الحالتين يجري تقرير مصيره من بداية رابطة عربية.
ولكن واشنطن كانت وقتها تحت قيادة جمهورية واقعية وعملية للرئيس جورج بوش الأب، دخل الكويت وخرج منها، حتى العراق أبقاها جزءاً من توازنات دقيقة للقوة في المنطقة. لكن أميركا لا تبقى على حالها كثيراً، فرغم الحديث كثيراً عن المؤسسات فيها، فإنها تتقلب في سياساتها، وخلال العقدين الأخيرين تقلبت كثيراً. وحينما خرجت من حكم الديمقراطي المحافظ بيل كلينتون فإنها دخلت إدارة المحافظين الجدد مع جورج بوش الابن الذي سلم العراق لإيران والإرهابيين، ومنه إلى الليبراليين الجدد أيضاً مع باراك أوباما الذي كانت له نظرة إيجابية إلى «الإخوان المسلمين»، ومن هذا إلى القوميين البيض مع دونالد ترمب، والآن من بعده إلى جاء رئيس ديمقراطي آخر، يريد المصالحة مع الجميع، دولاً وإرهابيين. في هذه الرحلة خاضت أميركا حرباً ضارية ضد الإرهاب، ثم تراجعت وعقدت اتفاقاً نووياً مع إيران، وتركت لها أن تطلق العنان لمدى صواريخها ولأعوانها في 4 دول عربية، وجاء ترمب لكي ينسحب من الاتفاق، ولكنه لا يفعل شيئاً مع استمرار العدوان الإيراني، ثم يعود بايدن لكي يرفع صفة الإرهاب عن الحوثيين، فيأخذوا من ذلك إشارة لشن هجمات على مأرب وعلى مناطق مدنية في السعودية. المسألة هنا هي هكذا هو حال الولايات المتحدة ونظامها السياسي وما يشغلها مع كل دورة انتخابية، وتبادل السلطة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وما تدور فيه بين الانقسام والتوحيد. لم تعد الولايات المتحدة كما كانت منذ الحرب العالمية الثانية عندما صكت سياسة خارجية مستقرة تنتهي عندها الخلافات الداخلية عندما يصل الأمر إلى وراء اليابسة الأميركية إلى بحار العالم الواسعة. الغريب أنه في ذات اللحظة التي وصلت فيها الولايات المتحدة إلى قيادة العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وذيوع «العولمة»، باتت قضيتها الأساسية في العالم كيف تخرج من العراق وأفغانستان!
هناك مثل عربي يقول: «ما حك جلدك مثل ظفرك»، وتعريف الموقف في المنطقة حالياً هو أنه نتيجة الاختلال الذي جرى منذ ما سمي بالربيع العربي أن الدول الإقليمية استغلت الخلل للتوغل في الإقليم العربي، والعدوان عليه، مرة بالإرهاب، ومرة بتحريك عناصر وطوائف داخلية، ومرات بالعدوان المباشر أو الاعتداء على مصالح حيوية.
اليوم نحن أمام درجة كبيرة من التنسيق العسكري والمناورات المشتركة والتدريب جرى بشكل منتظم بين دول عرفت باسم التحالف الرباعي. وفي الوقت الذي جرت فيه عمليات لتقوية القدرات الدفاعية للدول العربية المعنية، فإنها بدأت عملية أخرى لا تقل جذرية وعمقاً لإصلاح داخلي، يأخذ في اعتباره ترتيبات استراتيجية في شرق البحر المتوسط وشمال البحر الأحمر، وعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل. اللحظة الراهنة هي لحظة استراتيجية بامتياز، يوجد على جدول أعمالها العدوان الإيراني والتركي والإثيوبي، فضلاً عن القضية الفلسطينية؛ والتعامل معها لا بد أن يكون استراتيجياً، كذلك تكون فيه القوة العسكرية واحدة من مقوماته، ولكن ليس كلها، فالإصلاح لا بد أن يستمر، والتعامل مع الأطراف الإقليمية الأخرى يقوم على أساس مدى المصالح المشتركة، ولا بد من تكامل أدوات السياسة الخارجية، من دبلوماسية وسياسية وقوة عسكرية؛ ومع كل ذلك قدر هائل من الصبر والحكمة.
الغرض الأساسي من كل ما سبق هو أنه لا بد من تغيير توازن القوى في المنطقة بحيث تصل رسالته إلى الأطراف المعتدية، وأيضاً إلى الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي عليها أن تدرك مدى الأخطار الجارية على الاستقرار الإقليمي والدولي. واشنطن تظل مهمة في كل الأوقات، ولكن الاعتماد عليها له حدود كما أسلفنا، وظهرت هذه الحدود في الدور الذي لعبته في إدارة الأزمة الليبية التي كادت تتفجر في العام الماضي نتيجة السلوك التركي الذي مزج ما بين الدولة التركية والإرهاب. ما تم التوصل إليه الآن من نجاح نسبي في الأزمة الليبية، أخذها على أبواب الاستقرار، كان نتيجة جهد مصري وعربي وأوروبي ودولي؛ امتزج فيه الحزم الذي وضع خطأ أحمر، مع الدبلوماسية والسياسة التي وضعت الحلول وتجاوزت المآزق. الآن، فإن الأزمة اليمنية تحتاج جهداً عربياً مماثلاً. ولكن الأمر ليس التعامل مع الأزمات، الواحدة بعد الأخرى، بقدر ما يستلزم نظرة استراتيجية واعدة للتعامل مع أوضاع المنطقة، وكيفية التعامل مع الأطراف غير العربية في الإقليم من ناحية، وزيادة القوة الذاتية من ناحية أخرى. الحكمة تقتضي مثل هذه النظرة الشاملة التي تعيد التوازن الضروري، وتوسع من نطاق التحالفات، ليس بالعدد، وإنما بالنوعية والوعي والقدرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة استراتيجية للتعامل مع أوضاع المنطقة نظرة استراتيجية للتعامل مع أوضاع المنطقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon