بقلم : عبد المنعم سعيد
أرجو ألا يؤدى تأجيل تنفيذ قانون «الشهر العقارى» إلى خفوت الاهتمام به وتبيان ما فيه من عوار، أو توضيح ما غاب عنه من حكمة فى التوقيت والملابسات التى تداخلت فيه. مثل ذلك جرى الاهتمام به من أعضاء مجلس النواب، ومن زملاء فى الإعلام كان أبرزهم القدير الأستاذ إبراهيم عيسى فى عملية التناول والتشريح للقانون من جوانبه المختلفة. ولكن ما لا يزال مفقودا فى النظرة كلها هو التعامل مع هدف القانون وقصده، وهو ما يصدر من جانبين يستحقان الكثير من الاهتمام: أولهما أن القانون فى حد ذاته هو جزء من عملية التقدم فى مصر، فلا تقدم يرتجى دون تسجيل للعقارات، ولا توجد فيما أعلم دولة متقدمة فى الدنيا كلها إلا وكانت عقاراتها خاضعة لتسجيل وتقنين. وثانيهما أن القصد من الضرائب كلها عقارية أو غير عقارية هو توفير الموارد للدولة لكى تحقق الأهداف التى خولها المجتمع إياها لتحقيقها من حماية وتنمية اقتصادية واجتماعية.
ولا يخفى على أحد والأمر لا تخطئه عين أو بصيرة أن الدولة دخلت فى مرحلة كبيرة وواسعة من التنمية على جبهات كثيرة تشمل ربوع مصر كلها، كما تحتوى على ترقية الحال فى الريف والحضر والخدمات بجميع أنواعها. ولما كان معروفا وبديهيا أنه لا غذاء بالمجان فإن ما يجرى له تكلفة كبيرة. وهكذا فإن موضوع «تمويل التنمية» يفرض نفسه على التفكير المصرى بحيث لا يمكن تجاهله. تجارب الدول الأخرى قامت فى بعضها على عملية لاعتصار الشعب عبر فترة زمنية لتوفير فائض يسمح بالتمويل، وتعد التجربة الصينية أبرز الأمثلة على ذلك؛ ولعل من ناحية أخرى أن تجربة الدول الغربية التى قامت على الاستعمار واعتصار فائض القيمة أثناء الثورة الصناعية الأولى قدمت ما يلزم لمزيد من التراكم الرأسمالى فى الدولة. فى تجارب أخرى قام الأمر على الاقتراض وهو ما عاشته مصر خلال عهد الخديو إسماعيل، وما عرفته اليونان خلال عقود قليلة سابقة، وأحيانا على مشروعات كبرى مثل مشروع مارشال الذى قدمته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلى الدول الأوروبية، وبعد ذلك أعادت تقديمه إلى اليابان وكوريا الجنوبية.
ما تفعله مصر حاليا ارتكن على استخدام وسائل متعددة، كان منها أولًا الاعتماد على الشعب المصرى مباشرة فى تمويل مشروع هام، كما حدث فى تفريعة قناة السويس الجديدة، التى وفرت تمويلًا لإنجاز المشروع، ومن بعده أنفاق قناة السويس الستة، ومن بعدها إعداد محور قناة السويس كله للتنمية الصناعية. وثانيًا الحصول على المعونات من دول شقيقة وصديقة، مع الاقتراض من المؤسسات الدولية والخاصة. وثالثًا على موارد الدولة التى تستخلصها من الضرائب والرسوم والعوائد أو الريع القادم من مصادر قناة السويس والغاز الطبيعى. كل ذلك سمح لنا بإنجاز ما تم من إنجازات حتى الآن، ولكن هذه على أهميتها لا تزال غير كافية ليس فقط بسبب الزيادة السكانية وما تلتهمه من عوائد التنمية؛ وإنما وربما كان هو الأهم أن سقوف التنمية فى مصر أعلى مما تحقق بكثير، لأن مصر تستحق دائمًا ما هو أكثر، ولأنه يوجد سباق عالمى نحو التقدم لا ينبغى أن تتخلف عنه الدولة. مثل هذا يفرض فورًا قضية تمويل التنمية والتى كان قانون «الشهر العقارى» واحدًا فقط منها. والحقيقة هى أن هناك عدة مصادر للتمويل يمكن للخزانة العامة أن تنظر لها بحيث تقل أو تنحسر الحاجة إلى الضغط على المواطنين الذى يمكن أن يؤدى إلى اعتصار السوق المصرية من الطلب الفعال الذى يؤدى إلى الركود ومن ثم ذبح الدجاجة بدلًا من الحصول على بيضها الذهبى.
قائمة فرص التمويل تبدأ أولًا بالقطاع الخاص المصرى، ليس بالتبرعات وإنما بإتاحة فرص حقيقية له للاستثمار الذى يتيح ضرائب على دخول وإنتاج وتصدير مع إضافة أصول جديدة؛ وثانيًا أخذ العظة والتجربة من الدول التى سبقتنا والتى قامت فى كثير منها على الفتح الحقيقى لفرص الاستثمارات الأجنبية واسعة النطاق، كما جرى فى الصين ودول جنوب شرق آسيا. ولعله من العار أن نبنى مدنًا جديدة تليق بالقرن الواحد والعشرين، وننجز مشروعات عملاقة؛ ولكننا نعجز عن تحرير قواعد ممارسة الأعمال ورفعها إلى مقامات العالمية المتقدمة. وثالثًا أنه آن الأوان لطرح شركات القطاع العام على الشعب للاكتتاب فيها، ومعها المشروعات الجديدة استلهامًا من تجربة قناة السويس. ورابعًا إذا بدأنا فى ذلك كله فربما عندما نصل إلى يونيو 2023 سوف ننظر إلى قانون الشهر العقارى نظرة أخرى يحقق فيها فائدة أكبر.