بقلم : عبد المنعم سعيد
إلى الزملاء من النقاد والمحللين الرياضيين: هذا مقال فى السياسة وليس فى الرياضة أو فى لعبة كرة القدم، وليس محاولة للدخول من الباب الخلفى إلى استديوهات التحليل الكروية المزدهرة هذه الأيام، والتى قطعت «عيش» استديوهات التحليل السياسية التى كانت تهز البلاد حتى مطلع الفجر. ومع ذلك فإن سلسلة من الأحداث بدأت بانتخابات الأندية الرياضية وانتهت بمباراة «القمة» بين الأهلى والزمالك وما بينهما من أحداث جعلت الساحة الإعلامية حُبلى بأمور سياسية لا يصعب تجاهلها. وفى الحقيقة، يبدو أن لمصر وجهين: الأهلى والزمالك، ليس بالمعنى الرياضى المُعبَّر عنه بـ«الشياطين الحمر» و«مدرسة الفن والهندسة»، وإنما وجه الأهلى يمثل التحديث والمعاصرة وخصوبة التربة الليبرالية والديمقراطية وتداول السلطة، ومن هذا وذاك الكفاءة والتخطيط طويل المدى والروح الوطنية التى لها اسم آخر يخص «الفانلة الحمرا». هى خلطة يمكن أن نسميها نسمات للتقدم لا تغفل أصول «التقاليد»، ولكنها لا تتجاهل أنه ليس للتقاليد والأصول و«الثوابت» معنى ما لم تَقُد إلى التغيير والبناء واتساع الآفاق والتسامح، وقبل كل هذا وذاك الفوز. هنا توجد عملية فيها الكثير من التدبير اللازم للتخطيط والاستعداد، وهنا الكثير من العرق والجهد الذى يُبذل فى التدريب، والمهم فى كل الأحوال أن يعرف كل مشارك مكانه ووظيفته وعمله، لا خلط ولا اختلاط، ولا لخبطة لا تعرف لها أولاً أو آخر. الانتخابات تأتى وتذهب فى موعدها، وفى كل مرة يمدح الجميع الجميع، ويهنئ الخاسر الناجح، ويشيد الناجح بالخاسر، فالأمر فى الأول والآخر يعنى أن الكل قاموا بما كان يجب عليهم القيام به: الواجب!.
مصر لها وجه آخر، الزمالك، ورغم رصده فى المركز الثانى من حيث الشعبية، فإن الأرجح فى السياسة أنه المُفضَّل من قِبَل أعداد أكثر من مشجعيه، لأن فيه الكثير من التلقائية المعبرة عن الشعب عندما يكون منطلقا. الانتخابات فيه لابد أن تختلط بالقضايا والمنازعات والكثير من الكلمات غير اللائقة أو التى لا يرحب بها الذوق العام، حتى لو أباحها باعتبارها من طبيعة الأشياء الأصلية. السمة العامة هى معكوس النادى الأهلى الذى يتدبر كثيرا، ويفضل الحساب دائما فى آخر الموسم، فإن الزمالك، صاحب الدماء الحامية والعواطف الملتهبة، لا يعبأ بالانتظار، فيغير 19 مدربا فى ثلاث سنوات. معادلة الاستقرار والتغيير تتجه نحو التغيير طوال الوقت، حتى بات التغيير مستقرا إلى درجة يظنها البعض فوضى، ولكنها ليست كذلك، فهى سمت عام وتقاليد خاصة توجد بين تيار واسع داخل الشعب المصرى. كثيرا ما أسمع نقد الإصلاح الاقتصادى المصرى، فإذا ما طرحت أن متاعبه عانتها كل الدول التى مرت بمثل هذا النوع من الإصلاحات كان هز الرأس الاستنكارى هو الإجابة، فهناك اعتقاد أن الحالة المصرية فى أصلها زملكاوية، وأن المشابهة مع العالم لا مجال لها، وهى المسألة الأصل فى الحالة الأهلاوية.
هكذا، فإن حالة «المحروسة» هى محصلة المنافسة بين حالتين: الأهلى والزمالك، لكل منهما مشجعوه والمتحمسون له، ورغم أن الأهلى فاز على الزمالك طوال السنوات العشر الماضية، فإنه ليس من المؤكد أن ذلك هو الحال فى الحالة المصرية فى عمومها، إلا أن هناك ما يبشر بأننا على الطريق الأهلاوى، فهناك أمور لم نعتد الفوز بها أو التفوق فيها حدثت بالفعل، وفوز لاعب مصرى- محمد صلاح- بالكرة الذهبية، بعد 35 سنة من فوز محمود الخطيب بها، فيه بشرى، ولكنها لم تكن كذلك فقط، ولكن معها بشارة أخرى بفوز الفريق القومى بلقب «أفضل الفرق الأفريقية»، وجاء السيد كوبر كأحسن مدرب. هذه النتائج تقف فى مفارقة كبيرة مع ذلك الجدل (فى الفلسفة ديالكتيك) الجارى فى النفس المصرية بين الأهلى والزمالك، فطوال العامين الماضيين، وبالتحديد منذ دخلنا نهائى كأس الأمم الأفريقية كان هناك مَن يحذر بأن نجوم اليوم أقل شأنا بكثير من نجوم الأمس، ويحرض على الطرق «الدفاعية» التى يستخدمها المدرب، وفى أعقاب موقعة أفريقيا طالبت جماعة بتغيير المدرب حتى نأتى بآخر يليق بالتعامل مع كأس العالم. الحكم علينا دوليا كان مختلفا، ومع نهاية عام 2017 وبداية عام 2018 بات واضحا أن الوجه الأهلاوى لمصر كانت له اليد الأعلى، حتى ولو كانت الروح الزملكاوية لاتزال زاعقة سواء كان ذلك فى الرياضة أو الاقتصاد. تُرى مَن يفوز- الأهلى أم الزمالك- فى معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة؟!.
نقلا عن المصري اليوم