بقلم: عبد المنعم سعيد
للمرة الثانية وخلال فترة زمنية قصيرة كان واجبًا الإجابة على أسئلة تتعلق بالصحافة والسياسة، وكما يحدث دائما فإن التغطية تكون أعم وأشمل إلى الإعلام والدولة. المرة الأولى كانت فى منتدى الإعلام العربى فى دبى؛ والثانية جاءت فى الصالون الثقافى للأستاذ الدكتور صديق عفيفى، والذى لم يكن أقل حيوية وتعددية عن الأول. كان الإلحاح قويا على وضع «روشتة» لما رآه الجميع أزمة فى العلاقة من ناحية، وتراجعا فى التأثير بسبب ذلك أو لأسباب أخرى من ناحية ثانية، وأيا ما كان الأمر فلابد من علاج من نوع أو آخر للحالة، خاصة أن محاولات الأعوام القليلة الماضية لم تكن مثمرة فتوزيع الصحافة الورقية يتراجع، والمشاهدة فى الصحافة التليفزيونية تتآكل، والصحافة الإلكترونية رغم ازدهارها النسبى فإن الاختراق الكبير فيها يجرى على ساحات التواصل الاجتماعى التى تتعامل مع الأحاسيس والمشاعر والغرائز، وكلها ليست لا صحافة ولا إعلام. وجهة النظر التى أبديتها، وعكستها مقالة سابقة فى «المصرى اليوم» قامت على أن السياسة والإعلام من الوظائف الضرورية لوجود المجتمعات، الأولى للإدارة والثانية لكشف الحقيقة والبحث عنها فيما يهم؛ ويكون التوتر، وتحدث الأزمات، إذا ما أصبح السياسى إعلاميًا، وحاول الإعلامى أن يكون سياسيًا، والأمثلة على ذلك كثيرة فى الولايات المتحدة هذه الأيام. أما فى مصر فإنه لا أحد يملك ترف وجود دولة بلا سياسة ولا إعلام، وللحق فإنه لا أحد يقول بذلك، ولكن البحث عن «الروشتة» يصل بنا إلى المحتوى الذى يشكل حزمة من الرؤية والتوجه والاستراتيجية والموضوعات المتداخلة فيها والوسائط والمنصات المنفذة لها، والذى تأخذه السياسة إلى التنفيذ والتطبيق، أما الإعلام فإن عليه البحث فيه وإلقاء الضوء عليها طارحا الأسئلة، وباحثا عن الإجابات، مثيرا للاهتمام بأدوات التعبير المختلفة من لغة وصوت وصورة وإضاءة، وتمهيد وتقديم وخاتمة. فالحقيقة أنه لا يوجد إعلام ما لم يكن فيه ما يثير الدهشة، والانبهار، والفضول، والعصف بالعقول علها تطرح أسئلة وحقائق جديدة.
آفة مصر أنها خلال العقود السبعة الماضية كانت الدولة سباقة فى الطرح، فهى التى قادت نحو الوحدة العربية زمن عبدالناصر، وفى عصر السادات بات السلام مؤشرا، وحاول مبارك أن يدير الاستقرار داخل مصر وخارجها؛ والآن فإن الرئيس السيسى يقودها إلى التنمية. خارج الدولة كل زمن وفترة لم يكن هناك الكثير لا من السياسة ولا الإعلام، كانت الأطروحات السياسية مبعثرة، وكثير منها كان خاضعا لأنواع من «الرق الفكرى» على اليمين واليسار، وللإخوان أو للشيوعيين ومؤخرا الليبراليون، وفى كل الأحوال يشكل استجابة فى دولة أخرى فى الخيال وليس على أرض الواقع. النتيجة هى أشكال من التطرف التى يغلفها الحديث عن «الثوابت والمبادئ» التى لا يعرف أحد كيف تتعامل مع المتغيرات الكثيرة والسريعة لعالم اليوم. المدهش أن مصرا ضيقة وصغيرة ومحدودة ربما بنهر النيل وتخومه هى التى تحل، بينما تظل بعيدة مصر الواسعة على ضفاف بحار وخلجان، وأراضيها ممتدة بمساحة مليون كيلومتر مربع، وحولها وفى قلبها جزر وواحات؛ وصدق أو لا تصدق- وربما آن لك أن تصدق- أن على أرض مصر يوجد مائة مليون نسمة. إذا علمنا بكل ذلك فربما لا يجوز بعدها أن يكون فى مصر أزمة فى السياسة أو التعددية أو الإعلام والصحافة.
وبصراحة فإن إدارة الإعلام والصحافة والصحف لا ينبغى لها أن تدور حول التعامل مع ما هو محرم وممنوع وممجوج لأنه محرر ومعرف قانونا فى كل القوانين العالمية ويدور حول «السب والقذف والتحريض» وإنما إدارة الإعلام تقوم على تقديم المحتوى الغنى بما يهم الناس ويثير اهتماماتهم عن الكون والدنيا والعالم والعلم والوطن بكل ما فيه من رحابة واتساع الماضى والحاضر والمستقبل. وهى مساحة تسمح لكل من السياسة والإعلام بممارسة وظائف ضرورية لكى تنتقل الدولة والمجتمع إلى الأمام وتحقيق التقدم المأمول الذى يمكن قياسه بمؤشرات دولية معلومة. «المحتوى» هو ما يجب التنافس حوله سياسيًا وإعلاميًا ولكل حسب وظائفه، وهو ليس حزمة من الكلمات الفاقعة والصور اللامعة، وإنما هو المعرفة بعينها بكل ما فيها من إثارة وشغف واكتشاف لأغوار المعضلات وإمكانيات الحلول. وعندما وصلت إلى كوكب الأرض أول الصور عن الثقب الفضائى الأسود شهقت قلوب وتوهجت عقول حول هذا الكون الفسيح، فلا زال بنى البشر يعيشون فى عالم ضيق. الإنسانية كلها فى أول مراحلها، وأوائل تاريخها، وفى مصر فإن سبعة آلاف عام من التاريخ، و٧٪ من جغرافيا المحروسة، تجعل ما تبقى من محتوى مصرى كافيا للجميع.