توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حديث عن الوعى!

  مصر اليوم -

حديث عن الوعى

بقلم - عبد المنعم سعيد

فى خطابه أمام الندوة التثقيفية التاسعة والعشرين للقوات المسلحة، وبمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لحرب أكتوبر المجيدة، فتح الرئيس عبدالفتاح السيسى ملفاً جديداً لم يسبق لأى من رؤساء مصر السابقين أن تعرضوا له. فلم يحدث أن الرئيس جمال عبدالناصر وجد أن هناك معضلة ما تتعلق بوعى المصريين، سواء كان مزيفا أو صادقا، بل كان هناك اعتقاد جازم بأن «الشعب» له ملكات خاصة فى التعامل مع التحديات المختلفة، وفى الميثاق الوطنى الذى بات واحدا من وثائق الدولة الأساسية، فإنه وقع عليه أن «يلقن طلائعه الثورية أسرار آماله الكبرى».

كان هناك نوع من «الإلهام» ينتقل من الجماهير إلى القيادة، لا يقول فقط بالآمال والأحلام وإنما أيضا بكيفية تحقيقها اعتمادا على تلك الذخيرة الكبيرة من الملايين التى تقول إن الجموع جاهزة للبناء بقدر ما هى مستعدة للمعارك. كان كل ذلك مناسبا تماما للمرحلة الثورية التى كانت تعيشها مصر خلال الخمسينيات والستينيات حتى جاء الوقت الذى باتت فيه الآمال أكثر واقعية، والأحلام أقل طموحا، وبات الحشد الشعبى أكثر تواضعا.

لم يكن الرئيس السادات يتحدث كثيرا عن «الشعب» وإنما عن محركاته التى رآها فى العلم والإيمان والانفتاح على العالم والتعلم من الأمم التى سبقتنا، وكما فعل فى الحرب مع إسرائيل عندما جعل النصر ممكنا من خلال أهداف محددة لحرب محدودة تفتح أبواب السلام واستعادة الأرض المحتلة من غاصبيها.

الرئيس مبارك كان مستسلما لما رآه من وعى المصريين، وبشكل ما تعامل معه كما لو كان نوعا من القدر المحتوم والقضاء النافذ، وكان الدرس الذى أخذه من مظاهرات الخبز عام ١٩٧٧ أن الإصلاح سوف يكون له ثمن على حساب الدولة. وعندما جمع المثقفين وأساتذة الاقتصاد فى مؤتمر للإنقاذ فى مطلع حكمه، وجد أن جوهر التوصيات أن تبقى الأمور على ما هى عليه، أو تعود إلى ما كانت عليه. وعندما بدأ فى الإصلاح فى العقد الأخير من حكمه، قامت الثورة التى بدأها الشباب للتغيير، وانتهت إلى أن أخذها الإخوان إلى الخلف.

الرئيس السيسى فتح ملف «الوعى» باعتباره واحدا من أهم أعمدة النهضة القائمة على الإصلاح التى لا يمكنها أن تقوم ما لم يعرف الشعب على سبيل المثال أولا أن لكل أمر ثمنا. «لا غذاء بالمجان» لم يكن أبدا مثلا مصريا، رغم أنه جزء أصيل من ثقافة ووعى الشعوب المتقدمة، ورغم الوله المصرى بما يراه فى دول الشمال من حيث المظهر والمخبر، فإن الذائع لديه أيضا هو أن ما يراه يخص أمما أخرى. المدهش فى الأمر أن الطائفة من الشعب المنوط بهم قضية «الوعى» مثل المثقفين والإعلام ومن شاركوا فى العملية التعليمية على مدى العقود الماضية، فإنهم نادرا ما قدموا لثقافة العمل، وفكر الاجتهاد.

كان كافيا فى كثير من الأحيان كثرة الحديث عن الفقر والفقراء، والناس الغلابة، ولكن كانت الندرة فى الحديث عن «الثروة» التى تغير الحال وتصلح الأوضاع. بشكل ما فإن الحديث المصرى كان يغلب عليه تياران: الأول يرى فى مصر من جغرافيا ومن تاريخ ما يجعلها أعظم الأمم التى تجعل كل أمم الدنيا تتآمر عليها؛ والثانى جعل من الضعف والهوان صناعة قومية نتيجة مؤامرات ما أنزل الله بها من سلطان. «المؤامرة» فى الأول والآخر، هى نوع أو آخر من «الشعوذة» الإنسانية التى تعفى الإنسان والشعب من المسؤولية، فما هى إلا أمور غامضة تجرى فى السر، تجلياتها مرعبة، وفى العادة فإنه ما باليد حيلة.

الوعى له علاقة وثيقة بالمسؤولية والعقل والعلم والمعرفة فى عمومها وكل ما يجعل المواطن قادرا على التحليل والتعرف على الأسباب والقدرة على تحقيق تراكم الطاقة والقيمة. هو الطريق الذى يجعلنا نعرف كيف نبدأ، ومتى ننتهى، ونتجنب المخاطرة وننتهز الفرصة، وما بينهما نعرف الكثير عن الزمن الذى فيه نقلد ونبتكر وما بين هذا وذاك ننتظر. الوعى من ناحية أخرى مسولية القادة والنخبة أو باختصار كل من له قدر ودور فى اتخاذ القرار، بما فيها المؤسسات التى تنشر الوعى لا عن طريق المزايدة أو المناقصة، وإنما عن طريق المناقشة والحوار، والإيمان بأنه لكل أمر أوجه، ولكل مسافة صبر، ولكل قول حكمة. هل آن الأوان أخيرا لكى نفتح فى كتاب مصر فصلا هاما عن الوعى؟!.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث عن الوعى حديث عن الوعى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon