بقلم: عبد المنعم سعيد
الثورة أولاً مشروع هائل للتغيير، قائم على قيم جديدة، وثانيا بداية لبناء مؤسسات تجسد الأفكار وتضعها فى مسار الحركة، وثالثا إطلاق طاقات الناس لكى يحققوا فى المستقبل ما عجزوا عنه فى الماضى. هى حدث أو مجموعة أحداث تنقل حالة إلى حالة أخرى مختلفة نوعيا عن سابقتها، وقد تكون الحالة علما، أو بشرا، أو وطنا. وفى مصر فإن أولى ثورات العصر الحديث كانت تلك التى جمعت مجموعة من علماء الأزهر بقيادة عمر مكرم لكى يضعوا محمد على واليا على مصر، ومع توليه لم تعد مصر كما كانت، فانتهى إلى غير رجعة العصر المملوكى، وكانت نقطة البداية للخلاص من الحكم العثمانى. ثانية الثورات فعلها أحد عرابى ومجموعة من ضباط الجيش وجمع من الساسة والمثقفين الجدد الذين نتجوا من إصلاحات الواليين سعيد وإسماعيل، ورغم فشل الثورة وانتهائها بالاحتلال البريطانى واستمرار مصر تحت السيادة العثمانية، فإن الميلاد المصرى من الرحم العثمانى أصبح مسألة وقت. ثورة ١٩١٩ كانت أولى الثورات التى خرجت منها الدولة المصرية، مملكة كانت أم جمهورية، لم تكن تلك هى القضية، وإنما كانت أن مصر باتت كيانا سياسيا يعترف به العالم ويتعامل معه على أساس ما يتمتع به من سيادة. انتهت الحماية البريطانية التى فُرضت على مصر خلال الحرب العالمية الأولى، ومعها انتهت وصاية الخلافة العثمانية، بل إنه لم يمض وقت طويل حتى انهارت الخلافة ذاتها. أصبح المصريون شعبا لا رعايا، كما باتت مصر دولة لا ولاية أو محمية، وأصبح السؤال الملح هو: ماذا يفعل المصريون باستقلالهم؟ وكانت النتيجة أنهم فعلوا الكثير من وضع الدستور إلى بناء الجامعات إلى إقامة النظم البنكية والانتقال من الزراعة إلى الصناعة، وعرفوا التكنولوجيات الحديثة من صحافة إلى إذاعة إلى الطيران. ورغم استمرار الاحتلال الإنجليزى تحت أكثر من شعار واتفاق، فإن مصر كانت مصنفة ضمن بلدان العالم المتقدم، وفى عام ١٩٢٥ جرى اختيار القاهرة كأكثر مدن العالم نظافة، وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت العاصمة المصرية من أهم حواضر العالم التى يجتمع فيها قادة الدول المتحاربة للبحث فى شؤون الحرب والسلام.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع