توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشرق الأوسط الجديد

  مصر اليوم -

الشرق الأوسط الجديد

بقلم : د. عبد المنعم سعيد

في الزمن غير البعيد كان ذكر «الشرق الأوسط الجديد» يعني أن قوة ما إقليمية أو عالمية تعيد تشكيل المنطقة، كما يتوافق مع مصالحها وطموحاتها التي لا تتوافق بالضرورة مع مصالح الدول والشعوب في المنطقة ذاتها. كانت ذكرى اتفاق «سايكس بيكو» من الذكريات غير السعيدة، وكان يضرب بها المثل كلما وردت خريطة أو مذكرة أو كتاب أو رؤية حول المصير المؤسف المنتظر. وعندما نشر شيمون بيريز رئيس إسرائيل ورئيس وزرائها الأسبق كتابه عن «الشرق الأوسط الجديد» خلال التسعينات من القرن الماضي فإن الذائع في المنطقة العربية كان أن «الحقبة الإسرائيلية» قد حلت، وبعدها عندما وردت في قاموس وزارة الخارجية الأميركية عبارة «الشرق الأوسط الكبير» كان في القاموس العربي يعني المدى الذي وصلت إليه الولايات المتحدة في النفوذ والتأثير في الإقليم الشرق أوسطي كله عربي وغير عربي. كانت الحرب الباردة قد انتهت، وتوافق العالم أن عصر القطبية الثنائية قد انتهى ولم يبقَ إلا قطب واحد مؤثر في العالم كله، وما بقي على العالم إلا التعلق بأهدابه.

ولكن العالم تغير، وكذلك الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لم تعد القطب القائد والمؤثر الوحيد، ولم يعد ممكنا تجاهل روسيا ولا الصين ولا عدد آخر من الأقطاب التي لها في العالم الاقتصادي والعسكري نصيب وحظ. أسباب ذلك ليس موضوعنا هنا، وما يهمنا هو أن انتخاب الرئيس دونالد ترمب كان إشهارا لنوعية جديدة من القومية الأميركية التي لا تهتم كثيرا بالعالم بما فيه أقرب حلفائها في حلف الأطلنطي، وإنما تعتبر حالها عالما كافيا يتقدم إلى الدنيا كلها بالقدر الذي يريده ويرغب فيه. وهكذا فإن الخطوة الأولى في عالم متعدد الأقطاب يصبح مؤثرا بشده في النظم الإقليمية المختلفة؛ ومن ينظر إلى أوروبا فسوف يجد كثيرا من التغيير، فلم يعد الاتحاد الأوروبي امتدادا لحلف الأطلنطي، وبينما كان الخروج البريطاني من الاتحاد له دلالات كبيرة، فإن التغيرات في بولندا والمجر وإيطاليا مؤخرا تدفع في اتجاهات أوروبية جديدة. والمظاهر الأخرى في النظام العالمي من أول تجمع دول «البريكس» وحتى الغزل الجاري بين كوريا الشمالية وتلك الجنوبية يحكي قصة أخرى عن تغيرات إقليمية متنوعة. ولم يقل أهمية عن كل ذلك أن تغيرا جوهريا في الفكر العالمي أخذ في التشكيل، وبعد أن كانت الليبرالية والديمقراطية هما ديدن العالم الجديد منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن الواقع الدولي وضع كليهما موضع التساؤل، فلم يعد لكلا منهما ما يعطي اليقين، مع اختلاف الأمم والشعوب ودرجات تطورها. لم يعد هناك دين سياسي واقتصادي مناسبا لكل الدول وفي كل الأوقات، وباتت الكفاءة في إدارة التطور والتنمية مما يجري قياسه على قدرات الدول وتاريخها وتقاليدها.

لم يكن الشرق الأوسط استثناء من التغير الذي جرى في العالم، وبات ذلك مؤكدا بعد عواصف «الربيع العربي» المزعوم، والذي بدا للحظة أنه يسير في مسار الدين الشائع، ولكن النتيجة كانت تسليم الدول التي تمكن منها إلى أكثر التيارات تطرفا وفاشية. الدول التي عرفت كيف تتجنب العاصفة، والدول التي نجحت في مقاومتها عرفت أن أول الدروس هي الحفاظ على الدولة وسيادتها وإلا كان هناك انفراط وتمزق وتشتيت. وثاني الدروس كان أنه لا مفر من الإصلاح بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكنه ليس «روشتة» طريق إلى الفوضى والانقسام الوطني والتبعية لجماعات ومؤسسات «عالمية» تحت غطاء العولمة. لم يعد يهم آراء وتوجهات «هيومان رايتس واتش» ولا «العفو الدولية»، ولا مواقف وبيانات وآراء باراك أوباما ولا السفارة الكندية ولا أي من الدول التي تصورت أن نهاية التاريخ حدثت عند بابها. تمثل الدرسان (الحفاظ على الدولة والإصلاح) في تجارب دول الخليج العربية ومصر والأردن والمغرب وتونس والجزائر، بينما ظهر الوجه الآخر القبيح في العراق وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين بأشكال مختلفة، كان أشدها قسوة ما جرى من حروب أهلية، بدأت ربيعا من الشباب وانتهت شتاء قاسيا ومدمرا.

أولى النتائج في النظام الإقليمي الجديد لـ«الشرق الأوسط» كانت استعادة الدولة لدورها مرة أخرى، ولم تحافظ الدول المشار إليها فحسب على وقف مسار التمزق في الدول العربية؛ بل إنه بات ممكنا أن تمنع محاولة الاستقلال الكردية في العراق، وانتهت «دولة الخلافة» المزعومة بين سوريا والعراق، وعادت الحكومة الشرعية اليمنية إلى أرض اليمن مرة أخرى. وربما كان أهم ما جرى أن الإرهاب بدأ في الانحسار التدريجي في العالم والشرق الأوسط في مقدمته. وبعد أن كان العام 2014 هو قمة سنوات الإرهاب التي جرت فيها 17 ألف عملية إرهابية، وسقط فيها 45 ألفا من الضحايا؛ تراجع في عام 2017 عدد العمليات الإرهابية في العالم إلى 10900 عملية وبلغ ضحاياها 26400 ضحية أي تراجعت العمليات بنسبة 35% والضحايا 41% . في الشرق الأوسط الذي جرت فيه أكثر من ثلث العمليات الإرهابية في عام 2017 فإنها في الحقيقة تراجعت بنسبة 38 % من عدد العمليات و44 % من عدد الضحايا. وبشكل ما فإن تراجع الدور الأميركي في المنطقة، وإعلان الرئيس ترمب عن نيته في الانسحاب من سوريا، جعل الباب مفتوحا ليس فقط في الانفتاح على العالم بقواه وأقطابه المختلفة، وإنما فتح الباب لأشكال مختلفة من التعاون الإقليمي العربي.

لقد كان مشهد اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي في مدينة نيوم إطلالة عربية جديدة على المستقبل الذي شرع فيه وفتح الباب لأشكال جديدة من التعاون المصري السعودي يقوم على التنمية المشتركة للثروات في البحر الأحمر وخليج العقبة. ومع تخطيط الحدود البحرية بين مصر وقبرص انفتح الباب لعلاقات جديدة في منطقة شرق البحر المتوسط لا تقوم فقط على حركة النفط والغاز والصناعات القائمة عليهما، وإنما أكثر من ذلك إقامة الجسور في مدينة واحدة تقع بين السعودية ومصر والأردن. مثل هذا المشهد مع الإجراءات الإصلاحات الجارية في الدول الناجية من العواصف الرملية للربيع العربي المزعوم كلها تمثل النواة التي يقوم عليها النظام الإقليمي الجديد لـ«الشرق الأوسط». 

هي نوع من «العروبة الجديدة» التي لا تقوم على شعارات براقة ومحتوى فارغ، وإنما تقوم على تواكب إصلاحات داخلية مع علاقات خارجية إقليمية مواكبة ومدعمة لها، بالقدر الذي يتواءم مع الثقافات والقدرات السياسية والاقتصادية المتوافرة بالفعل في الإقليم، وبالقدر الذي يسمح بالتطور والتقدم على الطريقة العربية، وليس على ما تروج له مراكز البحوث والجمعيات في الغرب.

لقد بات العالم واسعاً ومفتوحاً لنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط دون وصاية من أحد.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط الجديد الشرق الأوسط الجديد



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon