توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللحظة الخليجية الجديدة

  مصر اليوم -

اللحظة الخليجية الجديدة

بقلم : عبد المنعم سعيد

العنوان مشتق من عنوان كتاب «لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر» لصديقنا الدكتور عبد الخالق عبد الله، الأستاذ الجامعي بدولة الإمارات، والذي طرحه في ندوة عام 2009، ثم أصبح دراسة عام 2010 نشرت في جامعة لندن، ثم صدرَ كتاباً عام 2017، وأخيراً صدرت طبعته العربية عام 2018. الأطروحة كانت أن دول الخليج العربية في مجلس التعاون جاءت إلى لحظتها التاريخية، بعد أن غابت مصر مع وفاة عبد الناصر، وبعد أن مضت فترة من الحيرة العربية بين 1970 و2000، بزغ الخليج في لحظة جديدة اكتمل فيها بناء الدول، وغلبت فيها مستويات التعليم والصحة الأرقام العالمية، وارتفعت فيها أسعار النفط حتى جاوزت 100 دولار للبرميل؛ ومع المخزون من الغاز والنفط جاءت التكنولوجيات الحديثة، والفائض من المال، والقوة العسكرية. هذه الأخيرة وجدت اختبارها مع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، في لحظات تاريخية، وهن فيها الجسد العربي، نتيجة ما سمي الربيع العربي. هذه الأطروحة وجدت طريقها إلى النقاش في المؤتمر السادس لمركز الإمارات للسياسات، الذي جري تحت عنوان «تنافس القوى القديم في عصر جديد» في جلسة خاصة عن «منطقة الخليج... القدرات والاحتمالات»؛ فلم تعد حال المنطقة ولا حال الخليج كما كانت، عندما ولد المفهوم قبل 10 سنوات، وتردد في كثير من مراكز البحوث التي نوهت بارتفاع النجم الخليجي وصعوده. فما جرى فعلياً خلال العامين الماضيين أنه تراجعت أسعار النفط بقوة لنصف ما كانت عليه قبل عقد مضى، ومعها فإن اختبارات القوة أسفرت عن وحشية التدخلات العسكرية الإيرانية التي وصلت إلى أراضي دول الخليج ذاتها، والعدوان التركي المباشر واحتلاله الأراضي السورية، والتوسع في الأراضي العربية من قبل إسرائيل بضم القدس والجولان والاستعداد لضم أراضٍ أخرى من الضفة الغربية الفلسطينية. الانقسام داخل دول مجلس التعاون جعل «لحظة الخليج» لا تعبر عن القوة، بقدر ما تعبر عن حالة من العلاقات الإقليمية، كانت فيها قطر ليست مصدراً للقوة، بقدر ما باتت قريبة من «حصان طروادة». وفوق ذلك كله، انكشف «الحليف الأميركي» عن متفرج جاء إلى المنطقة ومعه فواتير بأسعار وفوائد من صنعه يريد تحصيلها.
للقادمين من مصر أو من منطقة المشرق العربي، فإن الحديث عن اللحظات العربية الصعبة ليس بجديد في التاريخ العربي المعاصر، ولا الحديث عن تعثر لحظات للقوة والمنعة التي واجهت فترات من الانتكاس، حتى الهزيمة، وحلفاء أظهرت لحظة للاختبار أنهم ليسوا على مستوى المسؤولية، ولا كانوا من الشجعان. لكن المزاج العام كانت فيه لحظة من خيبة الأمل، أضيف إليها أنها جاءت بعد أن أصبحت مصر «غائبة»، وقال أحد المتحدثين إنها «مشلولة» أو «نصف مشلولة». في الكتاب الأصلي كانت «لحظة الخليج» قد جاءت بعد 20 عاماً من اللحظة المصرية الناصرية، وبعدها كان هناك عقدان من الحيرة، «وكأن حرب 1973 لم تحدث، ولا كان استرداد لسيناء المصرية، في أول تقليص للإمبراطورية الإسرائيلية، ولا معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي كانت أول تطبيق جدي لمعادلة الأرض والسلام، وإقامة نظام إقليمي جديد»، وبعدها منذ عام 2000، مع مطلع القرن والألفية كان قد مضت عقود على استقلال دول الخليج العربية ودخولها مراحل التحديث المختلفة، ما نهض بها إلى مكانة جديدة في العلاقات الدولية والإقليمية.
وفي الحقيقة، ووفقاً لعناصر القوة المختلفة، فإن «اللحظة الخليجية» كانت مواتية، في ظل الظروف التقليدية للنظام الشرق أوسطي عامة، والنظام العربي خاصة، لكن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لم يكن رحيماً بالمنطقة، فبدايته شهدت ما سمي الربيع العربي، في موجة أولى، كان تمامها سيطرة للأصولية الإسلامية في شكل «الإخوان المسلمين» في مصر أو تركيا، وأمثالهم من الشيعة في إيران ولبنان والعراق واليمن. كانت الهجمة شرسة، ولّدت حروباً أهلية، وهددت الدول الوطنية في الإقليم كله بالتدمير، وكان مقدراً لها أن تعيث بالمنطقة فساداً وحرائق أكبر كثيراً مما جرى، على فظاعته وهوله.
وفي الحقيقة، فإن «اللحظة الخليجية» بمقوماتها، ساهمت أولاً في نجاة دول الخليج العربية من لمسة الربيع المخضب بالدماء والرمال الساخنة. وثانياً أنها جعلت المقاومة ممكنة، وكانت أولى بشائرها المساهمة في نجاح ثورة 30 يونيو (حزيران) المصرية، التي كانت أولى علامات التراجع في موجة كاسحة. وثالثاً أن نوبة كبيرة من الإصلاح الحقيقي والجذري انتشرت في دول عربية كثيرة، كانت في مقدمتها السعودية ومصر، ومعها الأردن والمغرب والبحرين والكويت وعمان؛ أما الإمارات فكانت في المسيرة الإصلاحية التي تلحق بالعصر منذ فترة سابقة. ورابعاً أن العقد لم ينتهِ إلا وقد بزغت موجة جديدة من «الربيع» قدمت شهادة على «النضج» في السودان، وقدمت شهادات على الخلاص القادم من الدولة الوطنية في لبنان والعراق، ليس فقط بالحفاظ على الدولة، وتغييرها من نظام القسمة والمحاصصة، وإنما باللحاق أيضاً بالعصر الذي طال زمن البعاد عنه. وبشكل ما، فإن «اللحظة الخليجية» باتت تواكبها «لحظة مصرية» لا تقوم على ما قامت عليه اللحظة السابقة في التاريخ المصري المعاصر، وإنما هي لحظة مستمدة من العصر الذي نعيش فيه، الذي تحكمه علاقات دولية مختلفة، وظروف إقليمية أكثر اختلافاً. وسواء أكانت اللحظة مصرية أم خليجية، فإن الواقع ليس في حاجة شديدة لمؤاخذة أي من اللحظتين، بقدر ما يكون الإعداد للحظة «عربية» جديدة، تخلق توازناً إقليمياً جديداً، ويعيد المنعة إلى النظام العربي مرة أخرى، فيكون فيه من المناعة ما يقي من شرور العقد الذي أوشك على الرحيل.
مفتاح اللحظة «العربية» الجديدة هو الإصلاح، والإصلاح العميق، وما يجري حالياً في مصر من التخلص من نظام بيروقراطي عتيق إلى دولة حديثة عبر الانتقال من نهر النيل الضيق إلى ساحل البحر الفسيح، عبر أراضٍ صحراوية مترامية الأطراف، وإدارة الثروة الكامنة تحت الرمال وفوقها، بدلاً من إدارة الفقر بكل ما فيه من تخلف؛ ومعادلة القوة الناعمة مع القوة الصلبة، بأنواعها المختلفة، مع لا مركزية تفتح أبواباً واسعة للمشاركة الوطنية.
ما يجري في السعودية لا يقل أهمية، حيث الإصلاح يعني اختراقاً سريعاً لعالم قديم عصي على التقدم والحضور إلى العصر في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والثقافية. الإمارات العربية المتحدة منذ عصرها القديم عرفت ما للتكنولوجيا من فضل، وأن في النظريات المعروفة للتقدم هناك فائدة للقادمين الجدد إلى ما عليه العالم، يركبون أمواجاً عالية بقدرات فائقة.
«الإصلاح» هو مفتاح اللحظة، التي لا تجعلها دولة أو مجموعة من الدول لحظة عارضة، تتكالب عليها الثعالب والأفاعي، وإنما لحظة تمتد فيها الأذرع لأمة عريقة. للأسف، لم يكن الوقت كافياً في مؤتمر أبوظبي للوصول إلى هذه النقطة؛ لكن الحديث عنها متصل على أي حال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللحظة الخليجية الجديدة اللحظة الخليجية الجديدة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon