بقلم - عبد المنعم سعيد
تعديل الدستور من حيث المبدأ وما يتبعه من تعديلات لمواد بعينها فيه تعد واقعة «تاريخية» لا يدفع فيها بأنها ليست نصوصاً مقدسة لأن فى ذلك خلطاً ما بين ما هو دينى، الذى ليس فيه إلا التسليم، وما هو مدنى، الذى فيه اختيار نعم، ولكن فيه من «المسؤولية» التى حملها من ثقل الجبال، فهى لا يجوز أن تكون نوعاً من الرياضات القومية التى يتم فيها تغيير جدول الدورى العام كلما تعقدت الأمور أو التبست. وهى واقعة لا ينفع فيها كثيراً الحديث عن تجارب الدول الأخرى، أو الاستشهاد بسبعة وعشرين تعديلاً فى الدستور الأمريكى، أو بأن بريطانيا ليس لديها دستور مكتوب على الإطلاق، اللهم إلا إذا راجعنا فى الأولى هذه التعديلات ومواقعها وظروفها وأعطينا أهمية لتلك المرات التى جرى فيها رفض التعديل، وقرأنا فى الثانية أطناناً من وثائق القرارات والقوانين والسوابق السياسية المسجلة والمكتوبة، والتى تصير مرجعية اتخاذ قرار أو إصدار قانون. مثل هذا وذاك لا ينبغى له أن يعفى من «المسؤولية التاريخية» أعضاء مجلس النواب الذين تقدموا بطلب تعديل دستور 2014، والأغلبية التى ستوافق عليه، وتلك التى ستذهب أو لا تذهب إلى صناديق الاقتراع على التعديلات الدستورية. لا أحد من حقه سواء كان فى الحكم أو مجلس النواب أو الشعب الهروب من هذه المسؤولية التاريخية التى تقتضى أولاً تحديد الأسباب التى تخصنا لتعديل الدستور، وثانياً الشرح الوافى لما إذا كانت التعديلات التى استقر الرأى عليها سوف تتعامل مع هذه الأسباب بكفاءة أم لا.
أكثر الأسباب منطقية فى الطرح هى تلك المتعلقة بطبيعة المرحلة التى تمر بها وتسعى فيها مصر أولاً إلى تحقيق الاستدامة فى الأمن والتنمية، وثانياً إلى الانطلاق من بين صفوف الدول المتخلفة إلى جانب الدول المتقدمة بمعدلات عالية للنمو. هى حالة عرفتها الصين بعد الثورة الثقافية، ووفاة «ماو»، عام 1978، عندما قرر الحزب الشيوعى الصينى أن يخط للصين طريقاً يُدخلها إلى العصر الحديث تحت قيادة دينج هتساو بينج. وفى ظروف مماثلة كانت هى الحالة التى عرفتها دول أخرى مثل سنغافورة فى عهد لى كوان يو، وكوريا الجنوبية فى عهد بارك، وروسيا مؤخراً تحت قيادة بوتين. الأمثلة كثيرة، وكلها حالات عانت فيها البلاد ظروفاً صعبة نتيجة ثورات أو حروب أو كلتيهما معاً، وكان ضرورياً بعدها إعادة البناء، وتحقيق الانطلاق من خلال إجراءات وقرارات صعبة هى الأخرى تغير الدولة وقدراتها ومواطنيها. مصر تنطبق عليها هذه الأوصاف بعد عهد للثورات تقلبت فيه الدساتير وتعديلاتها، بل تجاوزها، ومن المدهش أن أكثر المهاجمين للسعى لتعديل الدستور الحالى هم جماعة الإخوان المسلمين، الذين فى حكمهم خلقوا ازدواجية فى الحكم بين الدولة ومجلس الإرشاد، وقاموا بتعطيل الدستور كلية، وفوق ذلك حصار المحكمة الدستورية العليا المنوط بها إصدار الأحكام الدستورية. مصر من ناحية أخرى، توجد فيها محاولة، ومبادرة، ورؤية للسير على طريق التقدم وتحتاج إلى قوة دفع كبيرة تحقق لها هذا الهدف.
هل التعديلات المطلوبة تحقق هذا الغرض؟ بعضها نعم، فإعطاء النساء 25% من مقاعد مجلس النواب هو خطوة على طريق إعطاء نصف الأمة فرصة المساهمة فى تحقيق الهدف النبيل. ولكن إنشاء مجلس للشيوخ لا يبدو مُحقِّقاً للهدف لأنه سوف يُعقِّد العملية التشريعية والرقابية، ويجعلها تأخذ وقتاً أطول مما تستلزمه عملية الانطلاق المُتصوَّرة إذا أخذنا فى الاعتبار أن هذه سوف تكون مجالس حقيقية تصوّت بالاسم أو إلكترونياً وتدرس الأمور بالجدية التى تستحقها. ومن ناحية أخرى فإن اختيار نائب للرئيس أو أكثر لا يحقق المسعى الذى يؤدى إلى نظام رئاسى لا خلط فيه ولا اختلاط، وفى حالته يكون هناك نائب واحد للرئيس، له شخصية سياسية ويتم انتخابه أيضاً، ولديه من الصحة والمقدرة والفكر والرؤية ما يساعد الرئيس ويضيف إلى مؤسسة الرئاسة. تعدد نواب الرئيس يضعف من المنصب، وقوته التمثيلية فى المحافل الدولية، وتأثيره الداخلى. وللتاريخ، فإننى كنت من المؤيدين لإنشاء مجلس للشيوخ أثناء مناقشات دستور 2014، ولكن التأييد كان فى إطار نظام سياسى مختلط يقوم فيه رئيس الوزراء بدور الشخصية الثانية فى الدولة. أما، وكما نأمل أن تكون مصر ومجلس نوابها المتحمل مسؤولية التعديلات قد أخذت أخيراً بصفاء النظام الرئاسى، فإن نائباً للرئيس يصير من قبيل الضرورة، خاصة إذا كان الطريق فيه سباق مع الزمن لكى نجد الدولة بين أكثر 30 دولة تقدماً فى العالم. أليس ذلك ما جاء فى رؤية مصر 2030؟!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع