توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدبلوماسية السعودية متعددة الأطراف

  مصر اليوم -

الدبلوماسية السعودية متعددة الأطراف

بقلم: عبد المنعم سعيد

لا جدال أنَّ الزمن صعب، والظروف عصية على التغيير، وما جاء من الوباء والبلاء في «كوفيد - 19» كان تحدياً «للعولمة» مرة لأنَّها كانت طريقاً إلى تفشي الفيروس وانتقاله عبر أرجاء المعمورة المرتبطة بشرياً بالسفر والاتصال والمواصلات؛ ومرة لأن التكلفة والنتائج المُرة من وفيات وإصابات وتكاليف انقطاع عمل وتعطل الإنتاجية وحركة البشر كلها خلقت حالة من الانكفاء الدولي على الذات عزز سياسات «الهوية» الشائعة بين دول العالم منذ سنوات. الحال في الإقليم ظل ثقيلاً، وما تقوم به إيران وتركيا في دول عربية عديدة خلق أوضاعاً نازفة بالدماء والأرواح، وفي اليمن فإنها تجعل من الحوثيين تهديداً مباشراً ليس فقط لليمن وأهله وإنما أيضاً للمملكة العربية السعودية.
وفي الداخل السعودي جرى كل ذلك بينما تخوض الدولة واحدة من أكثر عمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي عمقاً في الدولة، وهي ما سبق وصفها في هذا المقام بالتأسيس الثاني للمملكة، وهي بطبيعتها عملية معقّدة ومركّبة وحسّاسة في مدخلاتها ومخرجاتها؛ وفوق ذلك غلّفها انخفاض حاد في أسعار النفط، قبل أن يصل الإصلاح إلى نقطة الأمان الخاصة بتنويع مصادر الدخل والإنتاج والعمل. رد الفعل السعودي على كل ذلك ظهر في الدبلوماسية متعددة الأطراف للمملكة، خصوصاً بحكم مكانتها كرئيسة لمجموعة الدول العشرين التي تضم الدول الأقدر اقتصادياً على المستوى العالمي. وفي أثناء آخر الأزمات الكبرى التي تعرض لها الاقتصاد في العالم عام 2008، وأدت إلى معدلات غير مسبوقة من البطالة والانكماش في الأسواق المحلية والدولية، فإن الخروج منها قام إلى حد غير قليل على التعاون الذي جرى بين أعضاء المنظمة العشرين، والتنسيق الذي تم بينها وبين دول العالم الأخرى في أقاليم العالم المتعددة. هذه المرة فإن الأزمة الراهنة أدت إلى نتائج أكثر عمقاً، بل إن النظام الاقتصادي العالمي بات أقرب إلى حالة من الكساد الرهيب الذي لم يتحقق منذ عام 1929، ولكن الأوضاع الراهنة جرت في وقت كانت فيها السياسة الدولية ذاتها تتعرض أيضاً لحالة من الانكماش والتراجع بفعل سياسات الرئيس دونالد ترمب التي تنظر بريبة إلى المنظمات والمفاوضات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وبفعل السياسات المماثلة التي اتّبعها قادة آخرون في دول وأقاليم أخرى. ببساطة باتت دول العالم عشية «الجائحة» في حالة كبيرة من الانطواء على الذات، وبات التعاون الدولي بعيد المنال بعد أن انقطعت روابط كثيرة عبر المحيطين الأطلنطي والباسفيكي.
رئاسة المملكة العربية السعودية الدورية لمجموعة الدول العشرين كان من الممكن أن تكون مجرد رئاسة دورية، كما تقضي بذلك البروتوكولات الدولية تقوم على الإجراءات وانتظار الموعد الرسمي لانعقاد قمة المجموعة حيث يمكن التقاط الصور، ومناقشة بعض القضايا، وربما عبور بعض الجسور المقطوعة بين دول في العالم. ولكن ذلك كان ممكناً أن يحدث في الأوقات العادية، أما في الأوقات الاستثنائية فإن تحديات أزمة «كورونا» وما تولّد عنها من أخطار لكل دول العالم تقريباً لم يكن ممكناً أن تقوم الدول بمواجهتها منفردةً سواء بالنسبة إلى الأخطار الصحية أو الأخطار الاقتصادية؛ الأولى تمس حياة الناس بما ترد به من أوجاع وتأخذ منه أرواحاً، والأخرى تمس مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة أيضاً. لم يقدَّر في تاريخ البشرية المعاصر أن واجهت مثل هذا الاختبار الصعب؛ ولم تكن هناك نقطة بداية أفضل من مجموعة الدول العشرين لعكس الاتجاه المعاكس لمسيرة العولمة أو الاعتماد المتبادل العالمي. والحقيقة هي أن المملكة وقيادتها الحكيمة لم تنكص عن تحمل المسؤولية؛ ولكن كانت هناك مشكلة إجرائية لا يمكن تجاهلها وهي أنه بات صعباً إن لم يكن مستحيلاً أن يغادر رؤساء الدول دولهم، بينما هم تحت ضغوط الأزمة التي بمقتضاها يموت مواطنوها بعشرات الألوف يومياً. أكثر من ذلك أن عدداً من قادة العالم سقطوا هم أنفسهم فريسة المرض مثلما حدث مع بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا، وغيره من القادة الذين سقطوا على طريق تحمل المسؤولية. والحقيقة أن الأرقام الخاصة بالأزمة باتت مفزعة، فخلال شهورها الثلاثة دخل العالم في المليون الثالث من المصابين، والمائة ألف الثالثة من الضحايا، أما ما فقده العالم اقتصادياً فقد ظل دائماً عصياً على الحصر.
ولحسن الحظ أنه بقدر ما كان العالم واقعاً تحت تأثير المفاجأة بالأزمة الجائحة؛ فإن التطور التكنولوجي العالمي كان في مقدمة ما كان من حلول لمعضلاتها. ولحسن الحظ أكثر أن السعودية كانت جاهزة تكنولوجياً بقدر اقترابها من تكنولوجيات الثورة التكنولوجية الرابعة أو ما يسمى «G5» على وجه التحديد، ومن ثم طرحت عقد سلسلة من المؤتمرات الدولية العظمى التي شهدتها الدول العشرين عبر التكنولوجيا الافتراضية خلال فترة لا تتجاوز شهراً. وكانت نقطة البداية في 26 مارس (آذار) المنصرم، عندما انعقدت قمة العشرين الاستثنائية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لكي تشكّل فصلاً جديداً في تاريخ الأزمة يضيف إلى جهود الدول الفردية ما يوفره التعاون الدولي من نتائج تبادل التجارب، والتعاون في إنتاج اللقاح والدواء للمرض، وتقديم العون للدول النامية والأكثر احتياجاً للدعم الدولي. قدمت السعودية عدة مبادرات خلال أعمال القمة هذه وما تبعتها من مبادرات أولاها كان تقديم المملكة 500 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية، وهو ما يفوق بكثير نصيب الولايات المتحدة الذي قطعه الرئيس ترمب عن المنظمة؛ وثانيتها دعوة المنظمات غير الحكومية لجمع ثمانية مليارات دولار لتعزيز جهود مواجهة الجائحة على المستوى الدولي. وفي أعقاب قمة العشرين توالت مؤتمرات المجموعة على مستويات وزراء المالية، والبنوك المركزية، والصحة، والسياحة، والطاقة، والتجارة والاستثمار.
كانت الدبلوماسية السعودية متعددة الأطراف تقوم بهذا النشاط المكثف في لحظة بدت فيها منظمة الصحة العالمية واقعة تحت ضغوط هائلة تتجاذب فيها الولايات المتحدة والصين إلقاء المسؤولية عن وقوع الأزمة كل طرف على كتف الطرف الآخر؛ وبدا فيها أن التجمعات الدولية الكبرى مثل «G7» واقفة مشدوهة أمام أزمة تتفاقم كل يوم وتتطلب العمل لا الدهشة. وشكّل تحريك مجموعة الدول العشرين من القمة إلى مستوى الوزراء الأساسيين المتعاملين في الأزمة نقلة كبيرة في وضع بداية واضحة لمعالجتها. أولاً، جرت نقلة كبيرة في التعاون الدولي الخاص بمعالجة الأزمة أدى إلى الكثير مما نراه اليوم من مبادرات لوقف إطلاق النار في مناطق النزاع. وثانياً، التعاون بين مبادرات قائمة لإنتاج اللقاح والدواء أو حتى استخدام بعض الأدوية القائمة للتخفيف من أثر المرض وفعاليته. وثالثاً، وضع بداية للانتقال من حالة الأزمة إلى الحالة الطبيعية تدريجياً. ورابعاً، الاتفاق على التعاون الدولي في السياسات التحفيزية للاقتصاديات الوطنية بحيث يمكن ليس فقط عبور الأزمة وتوابعها وإنما استئناف عمليات النمو الاقتصادي في العالم. وخامساً، حل الأزمة الفرعية للنفط والتي نتجت عن الفائض الكبير في العرض والذي ازدوج مع انخفاض هائل للطلب في وقت تلقّى فيه الاقتصاد العالمي ضربات قاسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدبلوماسية السعودية متعددة الأطراف الدبلوماسية السعودية متعددة الأطراف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon