توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجرأة الإمبريالية الإسرائيلية

  مصر اليوم -

الجرأة الإمبريالية الإسرائيلية

بقلم : د. عبد المنعم سعيد

لماذا أعلنت إسرائيل فجأة أنها تمثل «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وصدّق الكنيست على هذا المعنى؟ وهل هناك رابطة بين هذه الخطوة والخطوات السابقة، سواء كانت اعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، أو التوسع الاستيطاني المحموم للضفة الغربية؟ وهل كان متصوراً قبل ربع قرن، فضلاً عن سبعة عقود سابقة، أن تقدم الدولة العبرية على هذه الخطوات؟ 

خلاصة كل هذه الأسئلة وغيرها، أنها تعبر عن حالة من الجرأة الإمبريالية الإسرائيلية التي تجعلها تسعى إلى تحقيق أحلام كان من الظن أن فيها من الجنون ما يجعلها تستمر أحلاماً وكفى تعبر عنها مجموعة من التيارات المحافظة المتطرفة التي لا تخلو منها دولة. أكثر من هذا أن هذه التيارات باتت تفرز أحلاماً جديدة من المرجح أنها سوف تنضم إلى سوابقها في القريب العاجل لكي تدخل في التيار الرئيسي للسياسة الإسرائيلية، وفي المقدمة منها ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة إلى إسرائيل، وكذلك ضم أراضي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى إسرائيل تمهيداً لضم معظم أراضي الضفة الغربية الواقعة تحت التصنيف «سي». 

في إسرائيل مع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فإن الأحلام تبعد كثيراً عن الحقائق والواقع، لكن التجربة الإسرائيلية لم تعد تعرف أضغاث الأحلام. فما الذي يجعل إسرائيل تسعى إلى تحقيقها الآن وهي التي حتى بداية العقد الأول من القرن الحالي كانت قابلة بحل الدولتين طبقاً لحدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، مع القبول بمبدأ التبادل المتساوي والعادل للأراضي التي يتفق عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي؟!

هناك حزمتان من الأسباب أعطت إسرائيل إمكانية تحقيق أحلامها، حزمة داخلية والأخرى خارجية. الداخلية ملخصها انحراف السياسية الإسرائيلية في اتجاه اليمين، وتقلص الوسط واليسار الإسرائيلي نتيجة عسكرة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والجهد الذي قام به اليمين لشيطنتها ونزع صفة النضال الوطني عنها. والخارجية جوهرها تغير المحيطين الإقليمي والدولي في اتجاه موات لإسرائيل. فمنذ الغزو العراقي لدولة الكويت، فإن العالم العربي دخل إلى درجات متوالية من الضعف الاستراتيجي، بدءاً من الإنفاق الضخم على عملية تحرير الكويت، وما تلاه من غزو أميركي للعراق نتج منه الخروج العراقي من «الجبهة الشرقية» للصراع مع إسرائيل. ثم جاء ما سمي الربيع العربي في عدد من الدول العربية، فإما أثر سلباً فيها وأنقص من قدراتها، أو أنه أدخلها في حرب أهلية، أو أنه حتّم التحول إلى تنمية الداخل والتركيز عليه. وفيما يتعلق بالمشرق العربي تحديداً، فإن الحرب الأهلية السورية عمّقت الفراغ الاستراتيجي الذي بدأ من قبل في العراق، وأشهر ما سمي الخلافة الإسلامية المزعومة على الحدود العراقية السورية، التي سرعان ما جذبت عداء العالم أجمع ووحّده في مواجهتها، وفوق ذلك كله أن إيران حاولت استغلال الفرصة بالتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر عن طريق «حزب الله» في الحرب الأهلية السورية؛ ومن بعدها جاءت تركيا إلى سوريا في حرب مع الأكراد. وفي الساحة الفلسطينية، فإن انقلاب حركة حماس، وهو أحد فروع تنظيم الإخوان المتطرف والإرهابي، على السلطة الوطنية الفلسطينية وانفرادها بحكم غزة أعطى إسرائيل ما لم تكن تحلم به تفوقاً استراتيجياً. ولم تكن «حماس» مجرد فصيل فلسطيني مسلح آخر، لكنها فصيل له صلاته مع تنظيم أعلن الحرب على العالم كله بدءاً من الفلسطينيين أنفسهم.

كانت كل هذه التطورات إضافات لقوة إسرائيل في المنطقة، وزاد عليها بالإضافة إلى ما نجحت فيه داخلياً في تنمية قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية إلى حدود غير مسبوقة، أن نتائج «الربيع العربي» والجماعات الإسلامية المتطرفة، دفعت بموجات الهجرة واللجوء إلى الدول الأوروبية والغربية، وكان لذلك من التأثير ما قلب الأوضاع السياسية في أوروبا فجرى إحياء الجماعات والأحزاب اليمينية المتطرفة التي كانت في الماضي تمارس معاداة السامية بمعنى معاداة اليهود، فأصبحت معاداة السامية بمعنى معاداة العرب هذه المرة. كان كل ذلك مكاسب مجانية حصلت عليها إسرائيل دون مجهود يذكر، 

ومع نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية اعتماداً على قوى المسيحية الصهيونية، فإن تحولاً نوعياً جرى على العلاقات الأميركية - الإسرائيلية أعطى لإسرائيل الفرصة لكي تحقق أحلامها الواحد تلو الآخر. وعندما اجتمعت 32 دولة للاحتفال بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان من بينها دول في أوروبا الشرقية ودول أفريقية وأخرى آسيوية، مثل فيتنام كانت دوماً من مؤيدي القضية الفلسطينية. وعندما حضرت الولايات المتحدة فإنها كانت تحضر تحت راية وعد انتخابي أطلقه الرئيس الأميركي وآن أوان تنفيذه.

لكن الفرص وتوازن القوى الذي اختل أكثر مما كان مختلاً لصالح إسرائيل، لم يكن وحده السبب في التحركات الإسرائيلية الأخيرة، وإنما كان هناك الخوف من التغيرات الجارية على أرض الواقع، وقوامها أنه يوجد 12 مليوناً من البشر بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، نصفهم من اليهود ونصفهم الآخر من الفلسطينيين. ولما كانت إسرائيل قد استوعبت كل ما تستطيع استيعابه من يهود يريدون الهجرة إلى إسرائيل في العالم، وعلى الجانب الآخر الفلسطيني فإن معدلات المواليد أعلى من تلك الإسرائيلية، فإن مشهد قيام دولة واحدة ذات أغلبية عربية بات واحداً من المؤرقات الإسرائيلية، وواحدة من نقاط التصنيف السياسي الداخلي بين اليسار واليمين. النتيجة، وحتى نضع السياسات الإسرائيلية في إطارها، هي أن إسرائيل بسبيلها إلى حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على الطريقة الإسرائيلية، وهي أن تأخذ إسرائيل كل ما تريد وتستطيع، وأن تترك ما تبقى للفلسطينيين لكي يتقاتلوا وينقسموا حوله كما هي العادة. ويأتي قرار «يهودية» الدولة، وإلغاء الصفة الرسمية للغة العربية، لكي يزداد الضغط على الأقلية من عرب إسرائيل، والدروز والبدو أيضاً، لكي يرحلوا فرادى وجماعات مستغلين بطاقات سفرهم الإسرائيلية لكي يرحلوا من بلد صاروا فيه مواطنين من الدرجة الثانية، ليحصلوا على الدرجة الأولى في بلاد أخرى.

فالحقيقة هي أن إسرائيل لم تكن تحتاج إلى الإعلان عن «يهودية» الدولة، طالما أن قرار تقسيم فلسطين لعام 1947 نص على قيام دولة «يهودية» وأخرى «عربية»، ومن أيامها فإن الهدف الإسرائيلي كان تعديل الحدود الجغرافية للتقسيم بحيث يحصل «اليهود» على قدر أكبر بكثير مما كان مقدراً لهم. وقد حدث ذلك بالفعل على الأرض من خلال الحروب 1948 و1956 و1967، والسيطرة على المناطق المنزوعة التسلح. الآن، وقد وجدت إسرائيل أن قدراتها، والظروف الإقليمية والدولية مواتية لها، فإنها من ناحية تريد فرض التقسيم الذي تريده بالضم للأراضي المشار لها، ومنع قيام دولة واحدة بقانون يضمن الأغلبية لليهود وللشريعة الإسرائيلية الآن وفي المستقبل أيضاً. هذه الخطة الجهنمية في النهاية وقد صفقت لها الجماهير الإسرائيلية، قدمت ضماناً آخر للحكومة الإسرائيلية الحالية بتوجهاتها اليمينية أن تظل في السلطة ليس فقط في الانتخابات القادمة، وإنما في المستقبل المنظور أيضاً.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجرأة الإمبريالية الإسرائيلية الجرأة الإمبريالية الإسرائيلية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon