بقلم : عبد المنعم سعيد
فى كل أنواع المعارك يوجد مكان محفوظ للحرب النفسية والتى أحيانا تكسب المعركة لصالح طرف قبل أن تبدأ، وأحيانا أخرى تستخدم لهز إيمان الطرف الآخر بقضيته. وأسوأ ما يحدث لمن يخوض معركة ما أن يعتقد أن استحقاقه للنصر ليس نابعا من قدراته، وإنما لأن قضيته فيها من العدالة ما يكفى لكسبها. الأمر ليس كذلك فى الواقع، فعدالة القضية الفلسطينية لم تعط الفلسطينيين دولة حتى الآن، وفى مصر فإن عدالة الموقف المصرى منذ 30 يونيو 2013 فى مواجهة الإخوان لم تكن كافية لكسب حرب ضروس على الساحة الدولية كانت ولاتزال جارية. الصمود والبسالة والبناء المصرى جعل العالم يعترف بالأمر الواقع ويتعامل مع الدولة المصرية كما أرادها المصريون، ولكن ذلك لم يمنع استمرار الحملات التى ترمى إلى تشكيك الشعب المصرى فى حاله السياسى، وخلق التردد فى ذهن كل من تسول له نفسه الاستثمار فى مصر أو السياحة فيها. وكلما نجحت مصر فى كبح جماح الإرهاب وتقليم أظافره وإنهاك قواه، فإن الحملة النفسية الخارجية تأخذ زخما أكبر وتزداد قوة واندفاعا مستخدمين فى ذلك «الأجندة» الليبرالية (حقوق الإنسان)، ولا بأس أيضا «الأجندة» العروبية (صفقة القرن المزعومة والقضية الفلسطينية)، وفى كل الأحوال استخدام «القضية المصرية» باعتبارها عنوانا لحالة من الفشل الدائم مهما كانت معدلات النمو، وشهادات المؤسسات الدولية، والمؤشرات الاقتصادية المعروفة، فخطاب المعاناة والشكوى الدائمة فيه مخزون يستخدم.
قضية «زبيدة» الأخيرة والتى بدأت فى هيئة الإذاعة البريطانية حول قضية «الاختفاء القسرى فى مصر» كاشفة عن مدى اتساع المعركة التى تخوضها مصر فى هذا المجال. ومنذ بداية الموضوع على الشاشة الإنجليزية، وحتى الكشف عن «زبيدة» عن طريق الأستاذ عمرو أديب، عكست حالة المعركة الجارية حيث بدأت المقاومة المصرية تتصاعد بدءا من بيان الهيئة العامة للاستعلامات، وحتى الظهور المثير للضحية فى بيت الزوجية. هناك فارق الآن بين المعالجات الدبلوماسية السابقة والتى كانت تتأرجح بين الصمت، وانتظار التعليمات، وبيانات القانون الدولى، والحالة الحالية التى تنبع من مدرسة العلوم السياسية والاستراتيجية وترى أن الأمر كله معركة سياسية تطرح الأسئلة على المتسائل وتنقله من الهجوم إلى الدفاع عندما باتت المهنية وليس حقوق الإنسان هى القضية. مرة أخرى، ولن تكون الأخيرة، كانت أجهزة إعلامية غربية موضوعا للتلاعب من قبل الجهاز الإعلامى لجماعة الإخوان المسلمين بكافة أفرعها فى قارات العالم الست. ويكفى مشاهدة المصادر الإعلامية الإخوانية وحالة الانفعال التى تظهر عليها، وأجواء الكراهية المصاحبة لقصة «زبيدة» ووالدتها، لكى توشى بأن ما يحدث فى مصر من إنجازات وانتصارات يحاصر معنويا ونفسيا جماعة إسطنبول ولندن وواشنطن أيضا.
هذه فى الأول والآخر معركة «القلوب والعقول» التى كانت قصة زبيدة مجرد واحدة من تفاصيلها، فالحرب ضد الإرهاب لا تنتهى مع قتل الإرهابيين كما يحدث الآن فى عملية «سيناء 2018» الشاملة، وإنما بمنع إرهابيين آخرين من الحلول محل الذين ذهبوا إلى غير رجعة. فى كل الحروب التى خاضتها مصر من قبل كان هناك دوما مساحة لأدوات الدعاية والحرب النفسية، ولكن هذه كانت دوما ضعيفة التأثير لأن القضية الوطنية كانت دوما فائزة فى قلوب وعقول الناس. الحرب ضد الإرهاب مختلفة، ليس فقط فى الاستخدام الإرهابى للدين وإنما لأنها حرب عالمية تجد فيها دول وجماعات فرصا تنتهزها وأهواء تبحث عن سبل لإشباعها. من الناحية النظرية فإن التساؤل مشروع حول ذلك الذى يجمع الإخوان مع جماعة «هيومان رايتس ووتش» مع الإذاعة البريطانية سوى مجموعة من المتناقضات التى التقت عند مفترق طرق يمكن فضها بكثير من السياسة والإعلام الحق، أو باختصار خوض المعركة الاتصالية بنجاح، ليس فقط بالدفاع حول ما يجرى من أحداث، وإنما أيضا بفتح المزيد من الأبواب والنوافذ. الحقيقة الكبرى التى لا تنسى فى هذا المقام هى أن قضية مصر الأساسية هى بناء الدولة وعناصر القوة فيها، وأن العدو الأول لها هو جماعة الإخوان وتفريعاتها الإرهابية داخل مصر وخارجها لأن جميعهم يهدف إلى تغيير هوية مصر المدنية ووضعها فى دائرة الدول المحاصرة. مثل هذا لا ينفى التهديدات الأخرى للأمن القومى المصرى، وهذه إما أنها تخص آخرين أكثر منا، أو أنها تسعى للحصول على مزايا استراتيجية، وكلها موضوع لتوازن القوى والدبلوماسية والسياسة.
نقلا عن المصري اليوم