توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثورة والتاريخ

  مصر اليوم -

الثورة والتاريخ

بقلم - عبد المنعم سعيد

ربما آن الأوان لكى نترك ثوراتنا للتاريخ والمؤرخين حيث يتم تجميع «الحقائق» وتحليلها واستخلاص الدروس منها فى زمن هادئ وعواطف ساكنة.

المؤكد أنه بعد كل ذلك، فإن الاتفاق على ما جرى، فضلا عن سلامته الأخلاقية، سوف يظل موضعا للاختلاف، ولكن المعرفة فى عمومها سوف تكون أكثر غنى لمن يرتجى سبيلا للخلاص من أزمات.

لا أعرف ثورة فى تاريخ العالم انتهى الخلاف حولها، من الثورة الأمريكية حتى الثورة الفرنسية والبلشفية والصينية وغيرهم، ولا يزال الأمريكيون فى حيرة حول إعلان الاستقلال الذى أكد على المساواة وحقوق الإنسان الأساسية، ولكن الثورة ذاتها فى دستورها أقرت استمرار العبودية، وظل قادتها «العظام» من جورج واشنطن إلى توماس جيفرسون ملاكا للعبيد.

الثورة الفرنسية الأشهر بين الثورات غيرت فرنسا والعالم ومع ذلك فقد عادت أسرة البوربون مرة أخرى، ومن بعدها عاد الحكم لأسرة نابليون، ثم كانت الثورة على الثورات وقيام الجمهورية الأولى، والآن نتحدث عن تقاليد الجمهورية الخامسة!، ولم تسلم ثورات مصر من نفس التقاليد فى المراجعة والانقسام، الثورة التى أتت بالوالى محمد على إلى الحكم مازالت دافعة للتساؤل عن حالة مصر وقتها والتى جعلت قائد الثورة عمر مكرم يطلب السلطة لألبانى وأحد جنود الاحتلال العثمانى.

وثورة عرابى كتب عنها وكتب تاريخها على أنها الطريق الذى أخذ مصر إلى الاحتلال الإنجليزى، وحينما عاد أحمد عرابى من المنفى كانت لديه شكوك حول سلامة ما جرى حتى جاء بعد ذلك من أنصفها وأعادها إلى سجلات تاريخ الوطنية المصرية.

وثورة ١٩١٩ التى سوف نحتفل بمئويتها هذا العام، انتقدت لأنها أبقت الملكية وسلمت الدولة لكبار الملاك، وفى النهاية فإن سجلها الديمقراطى كان فقيرا فلم يحصل حزب الأغلبية الوفد على الحكم إلا فى سبع سنوات.

ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ كان لها من مدحها لأنها أعادت للمصريين حكم بلادهم ومع الحكم العزة والكرامة، وكان لها من رثاها بكاء على العهد الذهبى الذى سبقها، ومن بكى منها وعليها بسبب سجونها، وعندما جاءت «عودة الوعى» بدت الثورة فى عين مثقفيها على الأقل كارثة كبرى.

ثورة يناير ٢٠١١ التى نعيش ذكراها لن تسلم من نقد بل من تمزيق من قبل جماعة، بقدر ما تنظر لها جماعة أخرى فى حنين وشجن لذلك الورد الذى تفتح فى حدائق مصر. ولا تزال سكين الثورة حامية بحكم الزمن القريب، ولأن «الثورة» ما لبثت أن قادت إلى ثورات بعدها أكثرها تأثيرا ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

وبنفس الطريقة التى جرت فى ثورات أخرى سوف يكون أكثر الأسئلة المعلقة هل كان حدث الثورة ضروريا، وماذا لو أن الأمور تركت على حالها، ألم تكن مصر سوف تكون اليوم أحسن حالا؟، قيل إن مصر عام ١٩٥٠ كانت أحسن حالا من البرتغال واليونان وتركيا، وبالطبع الصين وكوريا، وتقارن بإيطاليا، وبعد الثورة المجيدة فى يوليو ١٩٥٢ لم نعد نقارن بهذه العصبة من الأمم.

وفى الربع الأخير من عام ٢٠١٠، قبل أسابيع من ٢٥ يناير ٢٠١١ كان معدل النمو المصرى ٥.٤٪، والمتوسط العام للسنوات الست السابقة كان ٦٪، وذلك هو حالنا الآن أو ما نصبو إليه فى المستقبل القريب.

الخلاصة أن الحديث عن الثورات هو جزء من حديث الشعوب وحوارها حول نفسها وهويتها، والفارق بيننا وبين شعوب العالم الأخرى أنه أيا كانت «الحقيقة» فيما حدث، وهل كان تعبيرا عن «إرادة الشعب» أو أنه كان «مؤامرة» داخلية أو خارجية، أو «عملية» قام بها شباب ملتهب بالغيرة على بلاده أو أنه كان ألعوبة طرية فى يد الإخوان المسلمين، فإن الثورة باتت جزءا من التاريخ، بل إنها سجلت فى مطلع الدستور.

ربما يكون مفيدا أكثر أن يكون تاريخنا الأكثر فحصا وتمحيصا وحوارا يقع فى الزمن القادم الذى لم يعد يقاس بالسنين أو العقود أو القرون أو الألفيات، وإنما بالدقائق والثوانى والساعات. العلوم والتكنولوجيا الآن تأخذ العالم إلى حياة أخرى وزمن آخر، وسباق لم تعرفه دورة أوليمبية ولا كأس عالم. ولعل أكثر ما تحتاجه مصر الآن هو التطلع لما سوف يأتى بأكثر من النظر إلى ما ولى وراح، والبحث عن الطرق والسبل التى تجعلها واقعة بين الدول المتقدمة. مثل ذلك يحتاج إلى التفكير فى القضايا الكبرى التى جعلت مصر أسيرة لنيلها المقدس، وحبيسة لماضيها وليس لمستقبلها، ومرتعدة من التقدم والغنى والثروة والعصر الذى تعيشه دول العالم الأخرى دون خوف أو وجل. ثورة يناير الآن فى يد التاريخ.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة والتاريخ الثورة والتاريخ



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon