توقيت القاهرة المحلي 00:33:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عودة «صفقة القرن» مرة أخرى!

  مصر اليوم -

عودة «صفقة القرن» مرة أخرى

بقلم: عبد المنعم سعيد

لم يعد تعبير «صفقة القرن» مفهوماً عارضاً قال به مرشح للرئاسة الأميركية، ولا تعبيراً عن سخط وغياب الرضا، وسخرية من طامع في البيت الأبيض، بات التعبير «مفهوماً» رسمياً تحت مسمى «خطة السلام الأميركية للسلام في الشرق الأوسط»؛ وبات أيضاً «فرصة القرن» على حد تعبير بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أصبح هناك مشروع أميركي كامل، وصفه السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل مارتن إنديك في مقال نشره في دورية «السياسة الخارجية» بتاريخ 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه «كارثة في الصحراء، لماذا خطة ترمب للشرق الأوسط لن تنجح؟». لم يكن أحد حتى لحظة نشر المقال يعرف الكثير عن «الصفقة» التي كانت لها مقدماتها، ولها تسريباتها، ولها المتصنتون عليها الذين يجمعون جملة من هنا، وكلمة من هناك، لكي يبنوا قصراً على رمال، أو يُظهروا كارثة على الطريق. والحقيقة أن ما تولد عن المشروع في النهاية كان صدى لما كان موجوداً في الفضاء الافتراضي بكلماته وحروفه التي باتت لها تفاصيل كثيرة. ولعل مارتن إنديك كان هو الذي أمسك بقلب المشروع الأميركي الذي طرح يوم الثلاثاء 28 يناير (كانون الثاني) المنصرم في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي. لم يكن هناك فلسطيني ولا عربي واحد، ساعتها كانت الحقيقة التي قال عنها المصريون قبل عقود أثناء الاحتلال البريطاني لمصر إن «جورج الخامس - ملك بريطانيا - يفاوض جورج الخامس». في مثل هذه الحالات لا يكون هناك تفاوض، وإنما كيف سيكون رد فعل الطرف الغائب؟ قبل ذلك أستأذن القارئ الكريم في الاقتطاف من مقال إنديك المذكور، لأنه يمثل فاتحة ما نحن مقبلين عليه...
في يوليو (تموز) 2019 حضر جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب آنذاك للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية اجتماعاً فصلياً لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط، وعند تقديمه معلومات محدثة عن تفكير إدارة ترمب في عملية السلام، قال بوضوح للجمهور المفاجأ إن الولايات المتحدة لم تعد تحترم «خيال» الإجماع الدولي حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية.
لم يذهب غرينبلات في طريقه لمهاجمة إجراء متطرف أو غامض فقط، لكن قرار مجلس الأمن رقم 242. وهو أساس نصف قرن من المفاوضات العربية الإسرائيلية، وكل اتفاق توصلت إليه إسرائيل داخلها، بما في ذلك معاهدتا السلام مع مصر والأردن، لقد انتقد صياغته الغامضة التي كانت تحمي إسرائيل لعقود من المطالب العربية بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة، باعتبارها «خطاباً متعباً يهدف إلى منع التقدم وتجاوز المفاوضات المباشرة»، وادَّعى أنها أضرت بفرص حقيقية للسلام في المنطقة. وبتوجيه من رئيسه جاريد كوشنر صهر الرئيس وكبير مستشاري الشرق الأوسط، كان غرينبلات يحاول تغيير المحادثة لبدء مناقشة واقعية جديدة للموضوع؛ قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والإجماع العالمي، كل هذا كان غير ذي صلة، من الآن فصاعداً لم تعد واشنطن تؤيد حل الدولتين للنزاع؛ حيث تعيش دولتان يهودية وفلسطينية مستقلتين جنباً إلى جنب بسلام وأمن. كان عرض غرينبلات جزءاً من حملة أوسع نطاقاً قامت بها إدارة ترمب لكسر الماضي وإنشاء نظام شرق أوسطي جديد، لإرضاء رئيس يحب إجابات بسيطة وخالية من التكلفة.
خلاصة ما وصل إليه الرجل هو أن كلَّ الأسس التي قامت عليها عملية السلام العربية الإسرائيلية باتت جزءاً من التاريخ منذ نشأتها في القرار 242، وما جرى تفسيره بعد ذلك في كامب ديفيد المصرية 1978، ومؤتمر مدريد للسلام، حتى اتفاقات أسلو المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قامت على حل الدولتين الذي بدا كما لو كان امتداداً لما جاء في قرار التقسيم لعام 1947 مع فارق نتائج الحروب العربية الإسرائيلية بعد ذلك.
الحاضر والمستقبل يقومان على أسس جديدة، وهي أنَّ أعداءً جدداً حلُّوا محل العداء العربي الإسرائيلي التقليدي، فإيران تعيث في المنطقة فساداً، ولم ينجُ بلد عربي ولا فلسطين من تأثيرات الراديكالية الإسلامية وأشكالها الإرهابية المختلفة، ولا نتائجها التي خرج منها مهاجرون ولاجئون فروا من حروب أهلية. خطة ترمب أو صفقته تقوم على أن القضية الفلسطينية الإسرائيلية لا بد أن توضع في حجمها وسط كل ما جرى وكان في المنطقة خلال العقدين الماضيين، بما فيها من فصول فاقت كثيراً «الربيع العربي» في العنف والحرب والثورة. رد الفعل الفلسطيني كان متوقعاً من حرق لأعلام وصور، وكان حساب «الصفقة» هو منح الفلسطينيين 4 سنوات أخرى من الانتظار! وبعدها سوف يكون لكل حادث حديث، مع إضافة «الفوائد» التي يحسبها الزمن.
الغضب العربي من «الصفقة» يمكن تفهمه، لأنه حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، وداخل إسرائيل هناك من يرى أن الصفقة سوف تجعل السلام مؤجلاً، والحرب والعنف والراديكالية هي حصاد البيع والشراء في قضية شعب. المرشح الأميركي واليهودي أيضاً بيرني سوندورز أعلن أن القضية هي أرض وشعب تحت الاحتلال، ولا تنفع معها صفقة ترمب، إليزابيث وارين المرشحة الديمقراطية الأخرى أعادت الذاكرة إلى حل الدولتين والقوانين ذات الصلة، وبقية مجتمع واشنطن في مراكز البحث الليبرالية والباقية على عدائها لترمب، ومعها الاتحاد الأوروبي، كانت لهم تعليقات مماثلة. لكن كل هؤلاء ليسوا رؤساء الولايات المتحدة، كما أنهم لا يملكون شيئاً في تفعيل القانون الأساسي للصراع العربي الإسرائيلي، وهو خلق الحقائق على الأرض. وللأسف، فإن إسرائيل نجحت في خلق كثير من الحقائق على الأرض من إقامة مجتمع ودولة وثقافة واقتصاد غني يقوم على تكنولوجيا متقدمة، ومؤخراً أصبحت إسرائيل فوق ذلك كله دولة نفطية، بما لديها من حقول غاز، ومن يعلم، ربما نفط أيضاً! الحقيقة العربية الوحيدة على الأرض هي أن الفلسطينيين ما زالوا قائمين، وبعدد أكثر من 6 ملايين نسمة، يوجد منهم 1.7 مليون فلسطيني داخل ما كان يسمى في الماضي الخط الأخضر.
كيف يمكن التعامل مع خطة أو صفقة السلام الأميركية الترمبية التي بعدت كثيراً عما تواضع عليه الأطراف قبل عقود؟
من الممكن أن نقوم بما حدث من قبل، بما فيه الرفض، والتهديد بالانتفاضة القادمة، حتى بالعنف «الثوري»؛ لكن عائد ذلك يحتاج إلى حسابات كثيرة، وفي كل الأحوال إن ذلك هو ما يتوقعه الإسرائيليون والمجتمع الدولي. ومن الممكن أيضاً أن نفكر في كيفية الاستفادة من الواقع العربي الوحيد، وهو البقاء على الأرض بمبادلة الصفقة بصفقة أخرى، ببساطة لا يجوز أن نتصرف بالطريقة التي يتوقعها الإسرائيليون، وفي الحقيقة اليمين الإسرائيلي والأميركي. الصفقة الأميركية إما أن نفكر فيها باعتبارها نهاية العالم، وإما أنها بداية جديدة لتشكيل الواقع القائم، بما فيه الحقائق الفلسطينية.
وباختصار... إنها بكل ما فيها مجرد قائمة للتفاوض والبحث عن سلام حقيقي للعرب والإسرائيليين أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة «صفقة القرن» مرة أخرى عودة «صفقة القرن» مرة أخرى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
  مصر اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

بحث أميركي يدشن مشروعًا لإعادة تصور وجه نفرتيتي

GMT 23:17 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

نادي روما الإيطالي يجهض حلم يورجن كلوب

GMT 13:46 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اجتماع لمجلس إدارة اتحاد الكرة الثلاثاء المقبل

GMT 11:51 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الإسماعيلي في مباراة قوية أمام الأسيوطي مساء الإثنين

GMT 01:38 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

إلهام شاهين والأب دانيال يكرمان آمال فريد

GMT 05:51 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

صعوبة البلع والنزيف المهبلي أبرز أعراض السرطان

GMT 22:36 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد الجزر والخضروات لسرطان البروستاتا

GMT 22:09 2014 الإثنين ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حاسبات" بني سويف تنظم مسابقة في البرمجيات للجامعات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon