ظلت تجربة النمور الآسيوية ملهمة للعديد من دول العالم الراغبة فى التقدم والانطلاق، وقدرتها على تجاوز الأزمات الاقتصادية الطاحنة بها حيث استطاعت تلك الدول عبور أزماتها الاقتصادية، وتحولت هذه البلدان فى بضع سنوات إلى دول متقدمة.
معظم هذه الدول ارتبطت بمشاركة خاصة مع العملاق الآسيوى «الصين» مما أهلها لتخطى مشكلاتها خلال فترة لاتتجاوز عقدين من الزمان.
أعتقد أن العلاقة الإستراتيجية بين مصر والصين تأتى فى إطار الاستفادة من تجارب تلك الدول بعد أن استطاع الرئيس عبدالفتاح السيسى إطلاق عجلة الإصلاح الاقتصادى، وتخطى أصعب مراحله، وبعد أن كانت مصر مهددة بالإفلاس، وعلى شفا الانهيار، تحسن الاقتصاد المصرى، وأصبح محل تقدير من جميع المؤسسات المالية العالمية، وتم رفع النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى من مستقر إلى إيجابي، وأصبحت مصر الآن مهيأة أكثر من أى وقت مضى لتسير فى طريق النمور الآسيوية، ولتصبح مصر النمر الإفريقى الأول الذى يكسر الطوق ويتغلب على مشكلاته ويتجاوز أزماته خلال الفترة المقبلة بعد تخطى مرحلة البداية الصعبة والمرهقة.
من هنا كانت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى الفاعلة فى منتدى التعاون الصينى الإفريقى الذى عقد فى بكين خلال الأسبوع الماضى، فالصين هى الشريك التجارى الأول لإفريقيا للسنة التاسعة على التوالى منذ عام 2009، وقد زادت الاستثمارات الصينية فى إفريقيا لأكثر من 100 ضعف، وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالى وصل حجم التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا إلى 100 مليار دولار.
تتعامل الصين مع إفريقيا على اعتبار أن الصين أكبر دولة نامية فى العالم، وهى تعمل مع الدول الإفريقية على أنها مشروع دول نامية صاعدة، وتقدم لها المساعدات لكى تستطيع أن تنهض، ومن هنا كان إعلان الرئيس الصينى شى جين بينج خلال القمة تقديم الصين 60 مليار دولار مساعدات واستثمارات للدول الإفريقية مع إعفاء الدول الإفريقية الأقل نموا والفقيرة من الديون المتراكمة عليها للصين.
إلى جوار اهتمام الصين بالعلاقة مع الدول الإفريقية فقد أعلن الرئيس الصينى شى جين بينج فى عام 2013، أى بعد توليه الرئاسة مباشرة، إطلاق مبادرة الحزام والطريق أو طريق الحرير بهدف ربط الصين تجاريا واقتصاديا عبر الممرات البحرية والطرق البرية بكل دول العالم، وقد انضم إلى تلك المبادرة حتى الآن 68 دولة من آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وتم رصد نحو 150 مليار دولار لتنفيذ مشروعات مشتركة عملاقة مع دول المبادرة مثل السكك الحديدية المقترحة التى تربط الصين بدول آسيا الوسطى وأوروبا، بالإضافة إلى تشييد مجموعة من الموانى البحرية، وأقامة خطوط بحرية على طول طريق الحرير القديم حتى قناة السويس، وربطها بموانى جنوب إفريقيا وباكستان والهند وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا، من أجل تدعيم حركة التجارة بين الصين وتلك الدول بعد أن بلغ حجم التجارة الخارجية للصين مع العالم فى عام 2017 نحو 4 تريليونات و 280 مليار دولار.
تأتى مصر ــ لأسباب كثيرة سياسية وجغرافية وتاريخية ـ فى القلب من مبادرة التعاون الصينى الإفريقي، وكذلك مبادرة طريق الحرير، وقد عكست مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى ونشاطه المكثف خلال الزيارة ذلك حيث بدأت الزيارة بلقاءات ثنائية مصرية صينية، وعقد جلسة مباحثات ثنائية بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي، وشى جين بينج، أعقبتها جلسة موسعة بحضور وفدى البلدين.
وخلال تلك المباحثات أشاد الرئيسى الصينى بما حققته مصر من إنجازات على صعيد الإصلاح الاقتصادى والاستقرار الأمني، وتنفيذ العديد من المشروعات العملاقة خلال فترة وجيزة، وأكد دعم الحكومة الصينية مصر فى مختلف المجالات وزيادة التبادل التجارى بين البلدين.
من جهته، عبر الرئيس عبد الفتاح السيسى عن سعادته بتطور العلاقات الثنائية بين البلدين وارتقائها إلى مستوى «الشراكة الإستراتيجية الشاملة»، مشيدا بالمشاركة الصينية فى دعم التنمية، وحرص مصر على مواصلة تعزيز وتفعيل آليات منتدى التعاون الصينى الإفريقى من خلال رئاستها الاتحاد الإفريقى العام المقبل، وكذلك دعم مصر مبادرة الرئيس الصينى «الحزام والطريق»، مشيرا إلى أهمية وحيوية الدور المصرى فى تلك المبادرة أخذا فى الاعتبار موقعها الجغرافى المتميز الذى يربط بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، ووجود قناة السويس العملاقة التى تعد مسارا تجاريا محوريا لتعزيز وتيسير حركة التجارة العالمية بما يتوافق مع مبادئ وأهداف مبادرة الحزام والطريق.
على طائرة العودة إلى أرض الوطن التقيت الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، ورئيس الهيئة العامة لتنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس الذى كان سعيدا بما تحقق من إنجازات ضخمة خلال تلك الزيارة، مشيرا إلى توقيع العديد من الاتفاقيات والعقود مع عدد كبير من الشركات الصينية لتنفيذ العديد من المشروعات المتنوعة فى مصر بقيمة استثمارية تصل إلى 18٫3 مليار دولار منها مشروع ضخم للمنسوجات، وآخر للألواح الجبسية، وإنشاء معمل تكرير ومجمع البتروكيماويات بمحور قناة السويس، ومشروع شيامن يان جيانج لتصنيع المواد الجديدة، ومشروع محطة الضخ والتخزين بجبل عتاقة، بالإضافة إلى مشروعات أخرى متعددة بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومحطات لتوليد الكهرباء بالحمراوين.
وأشار الفريق مهاب مميش إلى أن الأيام تثبت بعد نظر الرئيس السيسى، وقدرته على الرؤية الإستراتيجية والمستقبلية لمصر، كما حدث فى مشروع ازدواج قناة السويس الذى استطاع تغطية تكاليفه خلال عام، كما أن التأخير فى تنفيذه كان يعنى مضاعفة تكاليفه 3 مرات بعد تحرير سعر الصرف.
أيضا فقد نجح هذا المشروع فى إيجاد منطقة يندر أن يكون لها مثيل فى العالم، وهى منطقة محور قناة السويس تلك المنطقة الواعدة التى من المقرر أن تستوعب العديد من المشروعات العملاقة ذات العائد الكبير والفرص الاستثمارية المتنوعة وتشمل إقامة مناطق صناعية ولوجيستية كبرى مما يوفر فرصا واعدة للشركات الصينية وغيرها من الشركات العالمية الراغبة فى الاستفادة من موقع مصر الإستراتيجي، كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم.
سألته عن القناة الملاحية الروسية ومايتردد بشأنها وهل سيكون لها تأثير على قناة السويس.
بابتسامة هادئة مملوءة بالثقة أجاب: بعد حفر القناة الجديدة وازدواج القناة لا خوف إطلاقا على مستقبل قناة السويس، لأنها الآن تستطيع المنافسة مع أى مشروعات عالمية أخرى، فالتجارة العالمية لا تعرف العواطف، وقناة السويس الآن هى أفضل ممر مائى عالمى، كما أن الحديث عن القناة الروسية به مشكلات كثيرة خاصة فترات الجليد الممتدة التى تصل إلى 6 أشهر فى العام.
ولأن الرئيس دائما يحاول استغلال الوقت أفضل استغلال ممكن فقد قام فى أثناء ذهابه إلى الصين بزيارة البحرين الدولة العربية الآسيوية الشقيقة التى ترتبط بعلاقات خاصة ومتميزة بمصر طوال الوقت وتربط الزعيمان المصرى والبحرينى علاقات صداقة متميزة، وتنعكس تلك الصداقة على العلاقات المصرية ـ البحرينية فى مختلف المجالات وتقف مصر بقوة إلى جوار البحرين فى مواجهة كل التحديات، والتصدى لكل محاولات التدخل فى الشئون الداخلية العربية خاصة دول الخليج العربى على اعتبار أن أمن الخليج هو جزء لايتجزأ من أمن مصر.
فى طريق العودة قام الرئيس بزيارة جمهورية أوزباكستان الآسيوية لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وتطوير التعاون الثنائى فى مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، وكذلك التعاون فى مجال الزراعة وتبادل الخبرات ونتائج البحوث فى هذا المجال، وأيضا تعميق التعاون فى مجال تطوير الطرق والنقل بين البلدين بما يسهم فى زيادة حجم التجارة بين الدولتين، والاستفادة من قناة السويس كممر ملاحى عالمى يسهم فى زيادة التعاون الثنائى، وفتح أبواب المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للاستثمارات الأوزبكية، وإقامة مناطق صناعية للصناعات الأوزبكية المتميزة لتسهيل وصولها إلى الأسواق العالمية.
تحرك الرئيس عبد الفتاح السيسى السريع يعكس إرادته فى أن تصبح مصر هى النمر الإفريقى الأول الذى يستفيد من تجارب الآخرين، ويبدأ من حيث انتهى الآخرون ليتحول إلى نمر عالمى يضاهى النمور الآسيوية، فلا شيء مستحيلا ما دامت الرغبة قد تحولت إلى إرادة والإرادة إلى عمل حقيقى على الأرض، وهو ما يحدث فى مصر الآن، وأمس الأول الجمعة خير شاهد على ذلك حينما قام الرئيس صباح الجمعة يوم العطلة الأسبوعى - بعد زيارة خارجية مرهقة إلى 3 دول آسيوية ـ بتفقد عدد من المشروعات التنموية فى منطقة هضبة الجلالة، واستمع إلى شرح تفصيلى للمشروع التنموى المتكامل هناك، وقام بالمرور على محطة تحلية المياه العملاقة بالجلالة، وتفقد الكوبرى العلوي، ومنطقة الألعاب المائية، واختتم زيارته بتفقد مقر الجامعة تحت الإنشاء ومصنع الفوسفات والرخام.
بعد جولة مرهقة شملت 3 دول آسيوية، وخلال أول أمس (الجمعة) يوم العطلة الأسبوعى قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بتفقد عدد من المشروعات بمنطقة هضبة الجلالة بما يعكس إرادته الحقيقية فى تحويل مصر إلى نمر إفريقى يضاهى النمور الآسيوية خلال أقل فترة ممكنة.
هى رسالة لكل المسئولين والمواطنين بضرورة التحرك والعمل، فلا شىء مستحيلا ما دامت قد توافرت الإرادة وتحولت الإرادة إلى عمل حقيقى وإنجاز.
التحرك الخارجى هو تسويق لما يحدث من إنجازات داخلية ملموسة بهدف زيادة الاستثمارات الأجنبية، وتنويع فرص الاستثمار لإقامة المشروعات القادرة على استيعاب العمالة وفتح فرص العمل أمام الأيدى العاملة المصرية، ويؤدى فى النهاية إلى تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتى وزيادة الصادرات، والحد من الواردات، وتقوية الاقتصاد المصرى، والوصول بمعدلات النمو إلى 8% وربما أكثر خلال السنوات المقبلة، بما يؤدى فى النهاية إلى تحسين مستوى معيشة المصريين، وتحويل مصر إلى صين العرب وإفريقيا مستقبلا.
------------------------------------------------------
حمدًا لله على سلامتك أستاذ إبراهيم سعدة
الأستاذ إبراهيم سعدة هو بحق أحد أكبر فرسان الصحافة المصرية, وصاحب «آخر عمود» فى الشقيقة الأخبار, ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير أخبار اليوم فى عصرها الذهبى.. كانت له صولات وجولات شهيرة فى مجال صاحبة الجلالة واستطاع إحداث طفرة صحفية ومالية فى مؤسسة أخبار اليوم.
لقد أكدت النقابة أكثر من مرة احترامها للقضاء المصرى, وطالبت فى الوقت نفسه بضرورة فتح الباب لعودة الأستاذ إبراهيم سعدة ورفع اسمه من قوائم ترقب الوصول انتظارا لأحكام القضاء التى نقدرها ونحترمها.
لا يمكن أيضاً تجاهل دور الزملاء الصحفيين والأساتذة الذين طالبوا بعودة الأستاذ إبراهيم سعدة تقديراً لدوره وعطائه فى خدمة الوطن على فترات طويلة من الزمان.
خالص الشكر والتقدير لكل من أسهم فى عودة الأستاذ إبراهيم سعدة من الجهات المسئولة والجهات القضائية المعنية ولكل الزملاء والأساتذة الذين طالبوا بعودته, ونتمنى الشفاء العاجل للأستاذ وعودته نجماً ساطعاً فى بلاط صاحبة الجلالة.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع