كان أمس الأول الجمعة هو الموعد المحدد للاجتماع الثانى التُساعى المقرر بين الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان والذى يضم وزراء الخارجية الثلاثة، ووزراء الرى الثلاثة، ورؤساء أجهزة المخابرات الثلاثة، وكان مقررا عقد الاجتماع بالقاهرة، إلا أن إثيوبيا والسودان لم تلتزما بموعد الاجتماع، وتأجل الاجتماع إلى موعد لم يتم تحديده بعد، رغم أن الاتفاق بين رؤساء الدول الثلاث كان محددا وواضحا بأن هناك مدة شهر تبدأ من أول اجتماع للجنة والتى عقدت أول اجتماعاتها فى 5 أبريل بالخرطوم، وبالتالى ليس هناك أمد زمنى طويل متبق من المدة الزمنية المقررة وكان يجب الالتزام بموعد اجتماع اللجنة يوم الجمعة الماضى لأنه ربما يحتاج الأمر إلى اجتماعات أخرى قبل التوصل إلى الرؤية المشتركة التى سيتم طرحها على الرؤساء الثلاثة.
التأجيل أعطى رسالة سلبية بأن الغموض مازال سيد الموقف فى إثيوبيا والسودان، وأنه رغم كل المبادرات الطيبة التى أطلقتها مصر والقائمة على المصلحة المشتركة لشعوب الدول الثلاث وعلى مبدأ أنه «لا ضرر ولا ضرار»، وأن مصر مع حق الشعب الإثيوبى فى التنمية، ومع مصالح الشعب السوداني، إلا أنه فى المقابل فإن التأجيل والتسويف والمماطلة من الجانبين الإثيوبى والسودانى يزيد قلق الرأى العام المصرى ويطرح تساؤلات عديدة حول الموقفين الإثيوبى والسودانى فى هذا الإطار.
الغريب هو الموقف السودانى والذى يتسم بالتذبذب وعدم الوضوح رغم العلاقات التاريخية والمصلحة المشتركة بين الدولتين والشعبين، ورغم أن الاتفاقية الموقعة بين مصر والسودان عام 1959 والتى جاءت مكملة لاتفاقية 1929 وليست مٌلغِيَة لها تشير إلى تقاسم المنافع والأضرار بين الدولتين لتصل حصة مصر إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
أما اتفاقية تقاسم مياه النيل عام 1929 فقد نصت بشكل واضح وصريح على «ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أى إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو غيرها من الدول من شأنها انقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضررا بمصالح مصر».
صحيح هناك تغييرات حدثت فى السودان أخيرا حيث تم اعفاء وزير الخارجية إبراهيم الغندور من منصبه يوم الخميس الماضي، ونفس الحال فى إثيوبيا حيث تم تغيير رئيس الوزراء الإثيوبى وتولى د.آبى أحمد رئاسة الوزراء، وإعادة تشكيل الحكومة الإثيوبية من جديد التى أدت اليمين الدستورية أمام مجلس النواب الإثيوبى صباح الخميس الماضى بعد أن تم تغيير ستة وزراء وتعيين عشرة وزراء جدد، واحتفظ وزيرا الرى والخارجية بمنصبيهما فى الحكومة الجديدة.
مصر تريد أن يكون نهر النيل مصدرا للتقارب بين الشعوب وليس مصدرا للصراعات والكرة الآن فى ملعب إثيوبيا والسودان
كان من الممكن ربط التأجيل بالتغييرات فى السودان أو إثيوبيا إذا تم تحديد الموعد وتم التأجيل بسبب التغييرات، لكن هذا لم يحدث، ولم يتم التأكيد على الحضور قبل التغييرات، كما أن التغييرات شأن داخلى ليس لمصر به علاقة من قريب أو بعيد، ومصر تتعاون مع دول مؤسسات وليس مع أفراد، وبالتالى الاتفاقات لا يمكن أن تتغير بتغيير الأفراد، وإلا سادت الفوضى فى العلاقات الدولية، كما أن وزيرى الرى والخارجية احتفظا بموقعهما فى الحكومة الإثيوبية الجديدة، وبالتالى ليس هناك من مبرر للتأجيل سوى أنه يصب فى خانة الغموض والتسويف والمماطلة فى الموقفين الإثيوبى والسودانى فى آن واحد.
منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو ينتهج نهج الحوار والمصلحة المشتركة فيما بين الدول الثلاث، وكانت البداية اتفاق إعلان المبادئ الذى تم توقيعه فى الخرطوم فى 23 مارس 2015 ويتضمن ضرورة الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة، وقواعد التشغيل، وإخطار دولتى المصب بأى ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعى إعادة الضبط لعملية تشغيل السد، وكذلك الإطار الزمنى للتنفيذ.
إلى جوار ذلك فقد سارت السياسة المصرية فى إطار تدعيم العلاقات الثنائية مع الدولتين فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية بما يسهم فى تعزيز المصالح المشتركة، إلا أنه حتى الآن لايزال التقدم على الأرض بطيئا للغاية، ولا يتناسب مع حسن النية لدى الجانب المصرى وهو الأمر الذى يشير إلى أن إثيوبيا تلجأ إلى المماطلة والتسويف، من أجل كسب المزيد من الوقت، وحتى يصبح السد أمرا واقعا، ومفروضا، وهو الأمر غير المقبول على الإطلاق.
لقد جاءت تصريحات سامح شكرى وزير الخارجية الأخيرة حول السد واضحة وقوية لا لبث فيها إذ أكد أنه لن يفرض على مصر وضع قائم أو مادى يتم من خلاله فرض إرادة طرف على طرف آخر معربا عن أسفه بسبب عدم تلقى القاهرة ردا حول دعوة عقد الاجتماع التساعى الثانى والذى كان مقررا عقده فى القاهرة يوم الجمعة الماضي.
أظن أنه آن الأوان لكى يعلن رئيس الوزراء الإثيوبى الجديد د.آبى أحمد موقفه بوضوح بعد تولى حكومته المسئولية رسميا، ليؤكد التزامه بما تم التوصل إليه بين البلدين.
نفس الأمر ينطبق على السودان خاصة فى ظل تحسن الأوضاع بين الدولتين ولقاء الرئيسين عبدالفتاح السيسى والبشير فى القاهرة أخيرا، واللقاءات المشتركة بين المسئولين فى الحكومتين المصرية والسودانية، فالمصلحة مشتركة، والمصير مشترك، وقد سعدت بلقاء عدد من الزملاء رؤساء التحرير فى الصحف السودانية فى القمة العربية التى عقدت فى الأسبوع الماضى بالظهران، وكانت الروح طيبة وإيجابية للغاية وأكدوا حرص الشعب السودانى على العلاقة التاريخية مع الشعب المصرى أولا وأخيرا، وهى نفس الروح التى أكدها وزير الخارجية إبراهيم الغندور على هامش الاجتماع وقبل اقالته.
مصر تريد فقط الحفاظ على حقوقها التاريخية من المياه والتى تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب رغم أن أعداد سكان مصر تضاعفت 5 مرات منذ توقيع الاتفاقية، وتعانى مصر الفقر المائى حيث أصبح نصيب مصر الحالى لا يكفى الاحتياجات الفعلية للشعب المصري، بعد أن انخفض نصيب الفرد إلى 700 متر مكعب سنويا، بعكس الوضع فى دول حوض النيل الأخري.
إذا كان من خطيئة لثورة يناير 2011، فخطيئة سد النهضة تكفي، فلم تكن تجرؤ إثيوبيا أو غيرها على أن تضع طوبة واحدة فى السد قبل التشاور مع مصر، لكنها استغلت حالة الفوضى والانفلات فى مصر بعد الثورة، وبدأت تبنى السد دون تشاور كما تنص الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والخاصة بنهر النيل.
لقد تجاوزت مصر عصر الفوضى والانفلات، وفى نفس الوقت تجاوزت أزمة بناء السد، ووقعت اتفاق إعلان المبادئ لتأكيد حسن النية مع الجانب الإثيوبي، والعكس صحيح فهو تأكيد من الجانب الإثيوبى على حسن النية مع مصر، لكن للأسف حتى الآن فإن إثيوبيا لاتزال تنتهج منهجا ملتويا وغير واضح فى ملف السد.
أتمنى أن تشهد الأيام القليلة المقبلة انفراجة سريعة فى الموقف، وأن تعود اللجان إلى الاجتماعات مرة أخرى بحسب ما يتم الاتفاق عليه، والأهم من الاجتماعات أن تكون هناك نية صادقة لترجمة إعلان المبادئ إلى حقائق واضحة فى القضايا العالقة وأبرزها:
أولا: التأكيد على عدم المساس بحصتى مصر والسودان المتفق عليهما منذ عدة عقود حيث تبلغ 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
ثانيا: الاتفاق على قواعد ملء السد وطمأنة الجانب المصرى خاصة فيما يتعلق بالأنباء التى تتردد عن احتمال بدء ملء السد فى الفيضان المقبل، والاتفاق على عدد السنوات المقرر للملء بما لا يؤثر على حصتى مصر والسودان.
ثالثا: الاتفاق على قواعد التشغيل كما جاء فى اتفاق إعلان المبادئ سواء من خلال المكاتب الاستشارية أو جهة دولية أو أى طريقة تتفق عليها الدول الثلاث.
مصر تريد أن يكون نهر النيل نهرا للخير لكل دول حوض وادى النيل يجمع بينها ولا يفرق، ويكون مصدرا للتقارب والمحبة بين الشعوب لا مصدرا للحروب والصراعات.
عميد وزراء الخارجية العرب
على هامش اجتماعات القمة العربية فى الظهران التقيت يوسف بن علوى وزير الخارجية العمانى الذى يعتبر عميد وزراء الخارجية العرب كونه أقدم وزراء الخارجية حيث تولى منصبه الوزارى فى ديسمبر 1997 أى منذ 21عاما حتى الآن بعد أن تم ترقيته من منصب وزير دولة للشئون الخارجية إلى وزير الخارجية العماني.
يوسف بن علوى
هو عبارة عن موسوعة خارجية متحركة ولديه الكثير من الأسرار، وعاش عن قرب الكثير من أحداث المنطقة العربية والعالم. تحدث عن المخاطر التى تحيط بالمنطقة العربية الآن، ورؤيته المستقبلية للأوضاع العربية مشيرا إلى أن المنطقة تجاوزت أصعب مراحلها، لكنها الآن تستكمل مرحلة التعافي، وأعرب عن أمله أن يشهد هذا العام حلا للأزمة السورية، وكذلك الأزمة اليمنية مؤكدا أهمية الحلول السلمية والحوار فى حل الأزمتين وكل أزمات المنطقة.
ثورة التعليم المقبلة
فى جلسة ودية التقيت وزير التعليم د.طارق شوقى فى مكتبه بالجزيرة، واستمعت لشرحه حول إستراتيجية تطوير التعليم التى يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى من أجل خلق نظام تعليمى جديد بعد أن «شاخ» النظام الحالى و«ترهل»، ولم يعد قادرا على مواكبة التطورات العالمية السريعة فى هذا المجال.
د . طارق شوقى
النظام المقترح سوف يطبق بالتدريج اعتبارا من العام الدراسى المقبل ليتم تخريج أول دفعة منه عام 2030 أى بعد 12 عاما، والمقصود هنا خريجو مرحلة التعليم قبل الجامعى، أما فى حالة التعليم الجامعى فإنه تضاف سنوات الدراسة فى الجامعة ليكون أول خريج جامعى عام 2034 أو حسب عدد سنوات الكلية.
هى خطوة جبارة يخطو إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى كعادته فى اقتحام المشكلات المؤجلة والمتراكمة فى إطار مشروع قومى ضخم لإعادة بناء الإنسان المصري. الثورة التعليمية هى البداية لمشروع إعادة بناء وتأهيل الإنسان المصرى لتعود مصر كما كانت رائدة التنوير والتحديث والتقدم فى المنطقة كلها.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع