بقلم - زياد بهاء الدين
يوم الأحد قبل الماضى (١٥ مايو) كان موعدنا مع المؤتمر الإعلامى الذى عقدته الحكومة المصرية للإعلان عن خطة الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية والإجراءات العاجلة لتحسين مناخ الاستثمار، وفقًا لتكليفها بذلك من السيد رئيس الجمهورية فى إفطار الأسرة المصرية يوم ٢٦ أبريل.
المؤتمر - على نحو ما تابعته فى التلفزيون - كان محكمًا فى تنظيمه، وفى الإعداد للبيانات والإحصاءات المعروضة به، وفى الحرص على أن يحضره كافة الوزراء المعنيين بالشأن الاقتصادى (عدا وزير المالية الذى كان مسافرا فى مهمة رسمية وحضر نائبه). والسيد رئيس الوزراء لم يبخل بجهده ووقته فى عرض الخطة الحكومية، كما كان واسع الصدر فى تلقى الأسئلة والرد عليها. وهذا كله محل تقدير، لأن الظرف الاقتصادى الدولى والمحلى خطير ويحتاج لكل المصارحة الممكنة من الحكومة وكل التعاون والتفاعل من المجتمع الاقتصادى كى نتجاوز معا المحنة الراهنة.
أتصور أن الهدف من المؤتمر لم يكن مجرد الإعلان عن الخطط الحكومية، بل أيضا تشجيع الحوار المفتوح والصادق حول القضايا المثارة، وتلقى ردود الفعل المختلفة، واختبار ما تقدمه الحكومة من أفكار ورؤى، سعيًا لبناء توافق وطنى حولها. ومن هذا المنطلق أتوقف اليوم عند ما جاء فى المؤتمر بشأن تحسين مناخ الأعمال وتحفيز الاستثمار، لاعتقادى أن نجاح هذا الهدف النبيل هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية.
فعلى الرغم من أن السيد رئيس مجلس الوزراء أكد ما جاء فى خطاب السيد رئيس الجمهورية بشأن زيادة حصة مساهمة القطاع الخاص إلى ٦٥٪ من الاستثمار خلال ثلاث سنوات، والعمل على تحديد دور الدولة فى الاقتصاد، وتخارجها من أصول بقيمة ٤٠ مليار دولار خلال أربع سنوات - وهذه كلها توجهات إيجابية ومشجعة - إلا أن ما جاء فى المؤتمر بشأن كيفية تحسين مناخ الأعمال وآليات تحقيق هذه المستهدفات الطموح كان فى تقديرى غير كافٍ.
تحديدًا، فإن ما تم عرضه فى هذا المجال تضمن: (١) تكوين وحدة لحل مشاكل المستثمرين بمجلس الوزراء. (٢) تطوير منظومة الحصول على الأراضى الصناعية. (٣) وضع استراتيجية لحماية الملكية الفكرية. (٤) تيسير الحصول على التراخيص خلال ٢٠ يومًا. (٥) تطوير الخريطة الاستثمارية. (٦) تفعيل حوافز قانون الاستثمار. (٦) الموافقة على طلبات الاستحواذ فى القطاع الصحى التى لا تتجاوز ١٠٪ من المنشأة الطبية. (٧) تفعيل الرخصة الذهبية للاستثمار. و(٨) النظر فى استحداث إعفاء ضريبى للنشاط الصناعى.
وجه تحفظى وقلقى مما تقدم أنه - فيما عدا الاهتمام بحماية الملكية الفكرية - تكرار لذات الوسائل والأدوات التى جرى الحديث عنها واستخدامها خلال السنوات الماضية دون أن تحقق نتائج مرضية.. فما الذى يجعلنا نعتقد أنها ستأتى هذه المرة بنتائج مختلفة؟، لِمَ يجرى إنشاء وحدة جديدة لحل مشاكل المستثمرين فى مجلس الوزراء بينما هذه المهمة الرئيسية لهيئة الاستثمار التى لا ينقصها سوى المزيد من الصلاحيات؟، ولِمَ نعيد محاولة «تفعيل» حوافز وإعفاءات ورخص ذهبية واردة فى قانون الاستثمار منذ عام ٢٠١٧ إن كانت غير مجدية؟ ولِمَ المبالغة فى الوعد بأن كل التراخيص والموافقات سوف تصدر خلال عشرين يوما؟ ولِمَ نُبقى على قيد الاستحواذ على أكثر من ١٠٪ من المنشآت الطبية طالما أن الغرض هو التسهيل والتحفيز؟.. وهل كانت مشكلة الاستثمار فى مصر هى عدم كفاءة الخريطة الاستثمارية لكى نسعى لتحسينها؟!.
المستهدفات التى كلف السيد رئيس الجمهورية الحكومة بتنفيذها طموحه ومحل تقدير، ولا شك أن النوايا مخلصة فى وضعها موضع التطبيق.. ولكن أخشى أن يظل تفكيرنا وتطلعاتنا محصورين فى ذات الأدوات والبرامج والحوافز التى ثبت عدم جدواها، ولم تعد مناسبة للعصر ولا لحجم التحدى الخطير الذى نواجهه.
ما نحتاجه حقيقة هو ثورة فى التعامل مع الاستثمار، ومناخ القيام بالأعمال يتناسب وحجم التحدى الواقع علينا الذى لن تكفى معه الأدوات والسياسات القديمة.
أما عن مفردات هذه الثورة الاستثمارية، فبرغم أننى تطرقت إليها فى مقالات عديدة سابقة، فاسمحوا لى بإعادة عرضها فى مقال لاحق لضيق المساحة.. ولكن دعونا نتفق على الأقل على ضرورة إعادة التفكير فى الموضوع بحرية وتجرّد، وعلى أننا جميعا نسعى لمصلحة واحدة، هى بناء الوطن والنهوض بالاقتصاد القومى.