توقيت القاهرة المحلي 10:43:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف نحافظ على تراثنا المعمارى والحضارى

  مصر اليوم -

كيف نحافظ على تراثنا المعمارى والحضارى

بقلم - زياد بهاء الدين

تطرقت الأسبوع الماضى لموضوع المعالم التراثية فى المدن المصرية العريقة والتى يشكو الرأى العام- بقوة وإلحاح- من مصيرها تحت عنوان «التطوير والتحديث».

ومع اقتناعى بأن ليس كل قديم بالضرورة جدير بالحماية، فإن الغموض والسرية المحيطين بهذا الموضوع وتأثيره على الحدائق والبيوت والقصور والمقابر والعوامات والمحال وغيرها، مع تجاهل المسؤولين للشكاوى والاستغاثات باستثناء استجابة السيد الرئيس لموضوع المقابرالتاريخية.. كل هذا جعل الناس تتوجس من تدخل الدولة لهدم أو إزالة أو حتى تجديد المعالم التراثية.

دعونا اليوم- مع ذلك- نتقدم من مساحة الشكوى إلى مساحة الحلول الإيجابية. وأقترح أن نفكر معا فى بعض المقترحات لعلها تفتح مجالا لحوار مطلوب: «أقترح بداية أن ننظر فى التعريف القانونى لمفهوم (المبانى والمعالم التراثية)». وأستخدم كلمة تراثية عمدًا، لأن المعروف فى القانون بدقة هو المبنى «الأثرى». والآثار محمية بقوانين تنظمها، ومجلس أعلى يحرسها، وعقوبات رادعة تقع على مخالفيها.

أما مفهوم «المبنى التراثى» فليس بهذه الدقة، بل يعرف القانون تعبير «المبنى ذى الطابع الخاص» ويضعه تحت مظلة أجهزة التنسيق الحضارى. وهذا وضع طبيعى، لأن ما يدخل تحت إطار التراث بالضرورة أكثر اتساعا وشمولا مما هو أثرى.

وإدخال كل ما هو تراثى فى نطاق ذات الحماية الجنائية للآثار ليس مناسبا. ومع ذلك فإن هناك ما يستدعى التفكير فى اعتماد مفهوم جديد للمعالم «التراثية» وتنظيم حمايتها قانونا حماية مناسبة ومتفقة مع طبيعتها.. وأتمنى سماع رأى الخبراء فى ذلك.

أقترح أيضا أن »نتفق على أن أفضل حماية للمعالم التراثية هى أن تكون فى حالة استخدام أو فى حالة (حية)، لأن الاستخدام هو ما يحفظ الأشياء من التلف وليس غلقها وتركها مهملة للسرقة أو الانهيار البطىء، ولأن مصر- والحمد لله- غنية بآثارها ومعالمها التراثية.

فإن هذا يضع علينا عبء الصيانة والتجديد للحفاظ على هذا التراث، وهو عبء تتحمله الدولة بمشقة بالنسبة للآثار«، ولكن لا يقدر الكثير من ملاك وقاطنى المعالم والمبانى التراثية على النهوض به. وهذه مشكلة قائمة ومعروفة فى كل الدول التى تجتمع فيها الصفتان: »كثرة الآثار والتراث، مع قلة الموارد!«.

الحل الذى لجأت إليه الدول صاحبة هاتين الصفتين هو وضع الإطار القانونى والرقابى السليم الذى يفتح باب استخدام المعالم التراثية (بلوالأثرية) للنشاط التجارى والاقتصادى، بما يوفر الموارد المطلوبة للصيانة والتجديد، ويعيد للمهمل منها الحياة والرونق، ويشغل الشباب فى هذا المجال الرحب، ويضيف معالم سياحية جديدة و«خفيفة» تنسجم مع سياحة العصر.

ولكن هذا موضوع بالغ الدقة والحساسية، فلا نريد أن يكون المخرج الوحيد من الهدم والإزالة هو الاستغلال التجارى القبيح، ولا أن تتحول معالمنا التراثية إلى سلاسل من المحال النمطية التى لا تضيف سوى المزيد من الضجيج والقمامة والازدحام.

المطلوب هو توازن دقيق ما بين تشجيع النشاط التجارى وحماية التراث واحترامه. ولهذا فإن الدول التى نجحت فى هذا المجال لم تكتفِ بمجرد إطلاق العنان للاستثمار والتجارة، بل وضعت ذلك فى إطار قانونى ورقابى محكم، بحيث يحقق صاحب المشروع التجارى العائد الذى يستحقه، ويلتزم فى الوقت ذاته بصيانة المعلم التراثى وتجديده وباحترام السكان والمنظر العام والنظافة والهدوء والمواعيد وغير ذلك مما يرفع من قيمة المكان بدلا من أن ينتقص منه.

وأخيرًا.. فإن الدولة لا تتكون فقط من ثنائية الحكومة والقطاع الخاص، بل هناك طرف ثالث ذو دور هام، وهو القطاع الأهلى، والذى أقصده هو تشجيع المهتمين بالحفاظ على تراث المدن وتاريخها ومعالمها وثقافتها وفنونها، على أن يكون لهم دور منظم وتطوعى لحماية المعالم الأثرية والتراثية، وأن يساهموا فى توفير الخدمات والتمويل الذى تحتاجه، ويساعدوا فى التوعية بها، ويقدموا جهدا تطوعيا مطلوبا، ويساهموا مع الدولة فى الإشراف اليومى عليها.

كل هذا لا يتحقق بمجرد إطلاق يد المنظمات الأهلية فيما تشاء أن تفعله، وإنما بتحديد دورها ومنحها صلاحيات مناسبة وقبول مشاركتها بصدر رحب مقابل ما يمكن أن تقدمه من مساندة مادية ومعنوية لا غنى عنها.

فهدم المعالم التراثية مرفوض، وتركها للإهمال والتداعى غير مقبول، وشغلها باستخدامات لا تناسب قيمتها ومكانتها ليس الحل.

علينا إذن اعتماد نموذج جديد يتيح استغلال الأصول التراثية بكفاءة ونجاح، ويحافظ عليها ويصونها ويرتفع بمكانتها.. »فمن لديه أفكار أخرى مفيدة؟».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نحافظ على تراثنا المعمارى والحضارى كيف نحافظ على تراثنا المعمارى والحضارى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon