بقلم - زياد بهاء الدين
فى الأحوال الطبيعية ما كان يخطر على بالى أن أطرح هذا السؤال. فقد قضيت جانبًا من حياتى المهنية مسؤولًا عن جذب الاستثمار الأجنبى لمصر، وبقيت بعد ترك العمل الحكومى مقتنعًا بأن نجاح التنمية الاقتصادية مرتبط بقدرتنا على جذب الاستثمار الخاص، المحلى منه والأجنبى.
فى الأحوال الطبيعية كان موقفى سيكون مرحبًا للغاية- بل مبتهجًا- بأننا نجحنا فى جذب بضعة مليارات من الدولارات للاستثمار فى شركات مصرية قائمة وناجحة وجاذبة للمستثمرين الأجانب.
ولايزال تقديرى أن الأصل فى الأمور هو الترحيب بالاستثمار الأجنبى من حيث المبدأ، لأنه يضيف رصيدًا نقديًا للبلد بالعملة الصعبة، ويجلب معه مزيدًا من الاستثمار والتطوير الفنى والهندسى والإدارى، ويربط صناعاتنا الوطنية بالأسواق الخارجية، فيحسن فرصها فى التصدير. وحينما يأتى هذا الاستثمار الأجنبى فى شكل شراء أسهم شركات قائمة فإنه يمنح المستثمرين المصريين الذين بذلوا الجهد التأسيسى وتحملوا المشاق والمخاطر المرتبطة ببدء النشاط مقابلًا مجزيًا لعملهم، ويترجم القيمة التى أضافوها إلى عائد حقيقى، ويمكنهم من إعادة تدويره فى مجالات أخرى، كما يشجع غيرهم على خوض تجارب ماثلة أملًا فى تحقيق ذات النجاح.
كل ما سبق يجعل تشجيع الاستثمار الأجنبى والترحيب به متسقًا مع المنطق الاقتصادى السليم.
مع ذلك فإن ما جرى تداوله إعلاميًا، فى الأيام الماضية، بشأن استحواذ صناديق سيادية عربية على أسهم بعض الشركات المصرية الكبرى لابد أن يستوقف النظر ويستدعى التفكير فيما إذا كان علامة طيبة أم باعثًا على القلق؟
من جهة، فإننا لا نتحدث هنا عن الخصخصة بمفهومها التقليدى- أى بيع أصول الدولة مباشرة لمستثمرى القطاع الخاص- بل عن بيع أسهم شركات قطاع خاص إلى مستثمر أجنبى، وإن كان البائع الرئيسى فى هذه الحالة هو البنوك المملوكة للدولة. والبيع يجرى على أسهم شركات مقيدة فى البورصة المصرية أى بالأسعار المتداولة.
ولكن من جهة أخرى، فإن سبب عدم الارتياح هو عدم إمكان تجاهل أن البيع يتم فى ظروف اقتصادية عالمية ومحلية غير مواتية للبائعين وفى مصلحة المشترى القادر على اقتناص فرص عظيمة بأسعار متدنية، وعلى اختيار ما يحلو له من الشركات المصرية الناجحة، خاصة عقب انخفاض عملتنا بحوالى ١٥% بعد سنوات من الثبات. وهذا وضع لا يُلام عليه المشترى الذى يحق له اقتناص تلك الفرص، ولكن يترك حسرة فى قلوب من يدركون قيمة هذه الشركات فى الظروف العادية.
من جهة ثالثة، فإن التساؤل يثور حول عدم قدرتنا- مؤسسات القطاع الخاص قبل الحكومة- على انتهاز ذات فرصة انخفاض أسعار الشركات المصرية الكبيرة والناجحة من أجل حشد مدخرات المصريين واقتناص ذات الفرص التى جذبت الصناديق الأجنبية. لم لا تكون صناديق الاستثمار المصرية هى الوسيلة الأساسية لجمع مدخرات الناس وشراء أسهم الشركات الرائدة فى مثل هذه الظروف، والحفاظ على ملكيتها لمصريين دون التدخل فى آليات السوق أو فرض قيود على الاستثمار؟
وأخيرًا، فإن الأهم مما سبق أن ندرك أن صفقات البيع الأخيرة لأسهم بعض شركاتنا الرائدة يجب أن يكون حافزًا للدولة وأجهزتها على فتح المجال وتسهيل الإجراءات وإزالة القيود أمام تأسيس شركات جديدة مماثلة والسماح لها بدخول حلبة المنافسة دون قيود أو عوائق لتكون أكبر حجمًا وأكثر نجاحًا.