بقلم - زياد بهاء الدين
حزنت لقراءة البيان الصادر عن إدارة مهرجان الجونة السينمائى منذ أيام، معلنًا إلغاء المهرجان الذى كان مقررا إقامته فى منتصف شهر أكتوبر، بسبب ما وصفه بـ«التحديات العالمية الحالية».أتصور أن هذا الإلغاء المفاجئ سيبعث الارتياح لدى من كانوا لا يرون من المهرجان إلا سجادة حمراء، وثيابا مثيرة للجدل، وحفلى افتتاح وختام صاخبين، ومجوهرات وحُلى. والحقيقة أن التركيز الإعلامى (إلى حد الهوس) على هذه المشاهد وحدها رسّخ فى أذهان الناس الانطباع بأنه مهرجان للأزياء الغريبة، لا مناسبة فنية عالمية جديرة بأن نفخر بها، وفرصة لمشاهدة أفلام عالمية، واستقبال نجوم ومخرجين ومنتجين دوليين، والاحتفاء بتراث السينما المصرية وكبار فنانينا ومبدعينا.
إلغاء أى مهرجان فنى أو أدبى أو ثقافى - فى كل الأحوال وتحت أى ظرف - أمر مؤسف، لأنه تعطيلٌ لقناة من قنوات الفن والإبداع والتذوق، وإهدارٌ لفرصة التعرف على ما يجرى فى العالم من حراك فكرى وثقافى، وحرمان الفن المصرى من مناسبة لاقتحام الساحة العالمية.
وإذا كنا نريد للسينما المصرية أن تستعيد المكانة التى تميزت بها فى عقود سابقة و«القوة الناعمة» التى نتحدث عنها كثيرا، فإن هذا لن يتحقق بتذكر الماضى ولا النظر بحسرة إلى «أفيشات» أفلام الخمسينيات والستينيات، ولا بإلغاء مهرجان اكتسب مكانة على خريطة مهرجانات العالم، بل بدخول معترك المنافسة العالمية وتشجيع الإبداع والنشاط الثقافى. وإذا كان هذا على حساب بعض الأزياء والتصرفات الحمقاء.. فلا بأس.
من جهة أخرى، فإن اقتصار النظر على مظاهر الاحتفال والصخب التى لابد أن تحيط بأى مهرجان سينمائى دولى يطمس حقيقة اقتصادية لا تقل أهمية عن المضمون الثقافى.. فالسينما «صناعة» حقيقية، لا تعبير مجازيا. صناعة تُشغّل أعدادا غفيرة، ليس فقط فى عملية الإنتاج الفنى، وإنما فيما يصاحبها من رواج لأدوات ومعدات وخدمات وصناعات وملابس ومأكولات وحراسة وتوريدات من كل نوع.. توفر كلها فرص عمل وتفتح بيوتا وتدعم الاقتصاد. وحينما يقام مهرجان عالمى فى مصر، سواء - الجونة أم أخاه الأكبر مهرجان القاهرة - فإن هذا يعنى سفرا وإشغالا لفنادق وانتعاشا لسائقى السيارات والعاملين فى المطاعم وأصحاب البيوت المؤجرة والنشاط السياحى برمته.. يضاف إلى ذلك ما يجلبه مهرجان مماثل للبلد من دعاية سياحية مجانية وجذبا لأنظار وفضول الملايين حول العالم يتابعون نجومهم المفضلين حينما يظهرون ووراءهم معالم مصرية، فتظل تداعب خيالهم حتى يحققوا حلم السفر.
وأما الاعتقاد بأن إلغاء المهرجان هذا العام - فى ظل ظروف اقتصادية قاسية للغاية - فيه مراعاة لشعور الناس وتجنب لاستفزازهم، فهو فى رأيى يغفل أن الأثر الاقتصادى الحقيقى لهذا الإلغاء هو ضياع فرص عمل ومبيعات ورواج وسياحة وإنتاج وعملة أجنبية، أظن أننا بأمس الحاجة إليها، خاصة الآن.
أيًّا كانت الأسباب والمبررات الحقيقية لإلغاء مهرجان هذا العام، فأتمنى أن يكون هناك مجال لإعادة النظر فيها، وأن تتدخل الدولة لمساندة هذا الحدث الثقافى العالمى الذى تسعى الدول المجاورة بنا لاقتناصه، وأن نتضامن جميعا مع المهرجان وإدارته، لأن ضياع فرصة تنظيم مهرجان عالمى استقر لبضع سنوات وصارت له مكانة دولية خسارة للبلد والسياحة والاقتصاد والفن.
وختامًا، لقد أعجبنى تعليق الناقد والكاتب الكبير الأستاذ طارق الشناوى فى حديثه مع جريدة «الشروق» منذ يومين حين قال «إن مهرجان الجونة أحد العناوين المهمة للثقافة المصرية وقوتها الناعمة، ولابد أن ندعم فكرة استمراره لصالح الوطن».