بقلم : أمينة خيري
مجتمعات الأخلاق الحميدة والفضيلة العتيدة موجودة فى كل مكان وزمان. كذلك مجتمعات الفصام الأخلاقى والحول السلوكى سمة من سمات البشرية. ولا ننسى أيضاً المثل الشعبى العبقرى القائل «من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله». وبين هذه المجتمعات من مضت عليه عقود وهو على هذه الحال، فلم يعد يرى فى التناقض بين ما يرفعه من شعارات وما يقترفه من أعمال تناقضاً مزعجاً أو نفاقاً مؤلماً، بل أسلوب متطابق و«هذا ما وجدنا عليه آباءنا».
وجدنا آباءنا مهما بلغوا من رقة حال يقترضون المال ويستدينون من أجل أن إتمام زيجة البنت وشراء النيش وملأه بما لا ينفع ولا يستخدم بل يضر الجيب والميزانية لسنوات مقبلة. ووجدنا أمهاتنا يحررن «وصل أمانة» بأموال يعجزن عن سدادها لشراء موبايل حديث أو غسالة فول أوتوماتيك أو طقم الصينى الـ1200 قطعة ثم يتم حبسهن ثم نجمع الأموال من دافعى الضرائب والمقتدرين لفك كربتهن وليس تطهير وتعقيم وعيهن وفكرهن.
وهناك الفكر الذى هبط علينا بكل قوة وشراسة خلال العقود الخمسة الماضية، وتسلل إلينا ليحول الكائن الأنثوى إلى مشروع دعارة ودعوة للفسق والفجور لحين إشعار آخر. المجتمع الذى كان يعتبر سامية جمال أميرة فى مجالها وهدى سلطان ملكة فى غنائها وفاتن حمامة أسطورة فى تمثيلها بات يعتبر الرقص والغناء والتمثيل رجساً وفسقاً وفجوراً. المجتمع الذى يعتبر ميركل نموذجاً فذاً للقيادة والسياسة والتقدم ينهنه ويبرطم حين تلوح فى أفقه سيدة ناجحة فى عمل قيادى أو منصب بارز لأن «الحريم مكانهن البيت» فى العام العشرين من الألفية الثالثة. والفصام الفكرى لا آخر له والحَول العقائدى لا قيد له.
وأحدث ما نتابعه من مظاهر الفصام ما يجرى فى قضية حنين حسام ابنة الـ19 عاماً. المجتمع الذى يعرف جيداً أن التحرش بالنساء بات منظومة راسخة، وأن مقاييس الأيزو الواردة إلينا عبر الحدود فى غلاف دينى باتت بطاقة مرور الأنثى المصرية إلى عالم القبول المجتمعى أو الرفض- انتفض وكأنه فوجئ بأن حنين حسام هى أول فتاة مصرية مسلمة «ملتزمة» تقوم بتصوير مقاطع تخلط بين الممنوع والمسموح «مجتمعياً». هناك الآلاف من الفتيات يتعاملن مع مواقع التواصل الاجتماعى، القديم منها والحديث من المنطلق نفسه الذى تعاملت به حنين.
ولن ندخل فى جدلية «هل من حق الفتاة المصرية أن تجاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعى بما تفكر فيه أم أنها فى أمان طالما احتفظت به لنفسها ولأصدقائها وصديقاتها فقط أى بعيداً عن أعين المجتمع المتلصصة؟»، ولكن لنا أن ندخل فى جدليات أخرى: حنين اعتبرت أن الغطاء الذى تضعه على رأسها الدليل الأوحد والبرهان الدامغ على أنها «فتاة محترمة»، وهو ما يؤكد لنا للمرة المليون أن المظهر المتدين هو ما يعنى الملايين وليس الجوهر. وللجدلية بقية.