بقلم - أمينة خيري
من الذي يحدد حقًا حق الشعوب في التغيير؟ ومن الذي يصنف الاختيارات فيحدد أن هذا خير مطلق وذاك شر لا ريب فيه؟ ومن الذي يصنع الأيقونات الثورية ويرسم ملامح الحق في الميادين والخير في قصور الرئاسة والجمال في الصالح العام؟.. هل هم حقًا أصحاب الشأن ومواطنو هذا البلد أو ذاك، أم أن رسم الصورة وتصميم خطوطها وتحديد ألوانها يجرى سَنّه في غرف مغلقة ومِن ثَم يبث عبر الأثير في استوديوهات على الهواء مباشرة، أو من خلال دفقة تغريدات مسفرة عن «تريند» مذهل، وتدوينات على «فيسبوك» تؤهلها لأن تكون تدوينات جماهيرية هادرة؟!. الأحداث كذلك هادرة في مجموعة الدول «التى حان دورها» (الجزائر والسودان)، ومستمرة في الدول التي لم يحن كتابة كلمة «النهاية» أمام أحداثها بعد (اليمن وليبيا وسوريا والعراق)، وجار وضع الرتوش على مجموعة ثالثة بين الحين والآخر. وفى خضم كل ذلك، تتابع ماكينة الإعلام الرهيبة، وردود الفعل، وإعادة تدوير ردود فعل منتقاة في الماكينة ذاتها لتخرج بنتيجة مفادها أن المنطقة برمتها مفعول بها بدرجة فجة، وأن الدول التي تجاهد من أجل تحويل المفعول إلى فاعل تحارب وتعادى تارة من قبل راسمى الخريطة الجديدة، وأخرى من قبل البعض في الداخل ممن يصرون على التنظير الخيالى والتحليل المثالى الرافض رفضًا باتًا النزول إلى أرض الواقع. أرض الواقع في ليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، لا تحتوى على الاختيار الثالث الذي ترسم جمعيات حقوقية ملامحه، وتطالب به دون غيره دول غربية متابعة وضالعة في رسم خارطة المنطقة، ويدق على أوتاره صدى الصوت الصادر من عندنا.
العدد المذهل من الميليشيات المسلحة والحركات الإرهابية والجماعات المتطرفة المتناحرة في ليبيا، والتى تبث سمومها في دول الجوار، التي حولت ليبيا منذ 2011 إلى كتلة ملتهبة من الخراب والدمار والفوضى والعنف الدموى لا يزعج الجماعات الحقوقية والبيانات الغربية وصدى الصوت الثورى في العالم العربى.. لكن يزعجها جدًا محاولات الجيش الوطنى الليبى استعادة السيطرة على الموقف، حتى إنها باتت تسميه «قوات حفتر» لتضفى عليه صفة الميليشيا ووضعية الكتيبة المسلحة، ليتساوى وغيره من الجماعات المتناحرة على حدودنا الغربية. وعلى حدودنا الجنوبية، تتتابع انعكاسات ما يراد بالسودان. في إحدى القنوات العربية- المفترض أنها على الجانب المؤيد للدول الوطنية والمناهض للتشكيلات العصابية وجماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها الإخوان- تغطية خبرية على مدار الساعة.. تقرير مصور يعاد بثه عشرات المرات، يحتوى على عبارة يرددها أحدهم: «الجيش يضرب المتظاهرين» وكأنها غير مقصودة. القصد هو أن «الرسامين» لم ينتهوا بعد من الخريطة الجديدة، وأن ماكينة الإعلام الرهيبة- سواء عبر الإعلام التقليدى أو العنكبوتى المتشعب- ضلع رئيسى في خلق الصور الذهنية وتشكيل ردود الفعل، لتبدو وكأنها ردود فعل شعبية عارمة تتطابق وما يطالب به راسمو الخريطة وليس أصحاب الشأن الأصليين، ألا وهم الشعوب.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع