بقلم - أمينة خيري
الضرر الحقيقى الحالى الواقع على الدين يكمن في الإصرار على تمرير الفيل من عنق الزجاجة. نقول إن الدين يهذب الطبيعة البشرية ولا يقمعها، لا يتحيز لجنس دون آخر، يقولون هذا ليس قمعًا بل هو صميم الدين، وهذا ليس تحيزًا بل هو الدين الحق. نقول إن الدين لا يحارب الجمال والرقى بل يسعى إليهما، يقولون هذا ليس جمالًا بل قبحًا وهذا ليس رقيًا بل تدنيًا.
ما وصلنا إليه الآن من صراع مزرٍ بين فريق يتزعمه البعض من رجال الدين، وتسير الملايين في ركبهم منذ السبعينيات، ويحملون راية ازدراء الإنسانية، وتحويل السهل إلى صعب مريع والمنطقى إلى هلاوس ووساوس، وبين فريق آخر يحاول جاهدًا أن يظل على إيمانه بأن الدين لا يمكن أن يكون قائمًا على جرح كرامة أو تحويل الإنسان إلى بهيمة أو تجميل القبيح أو تقبيح الجميل- ما وصلنا إليه هو نتيجة عقود من السكوت على تمدد اجتهاد «بشرى» مريض. هذا الاجتهاد أطلق العنان لمنظومة جنسية بحتة قائمة على أن الذكر ليس إلا شهوة خارج السيطرة وغير قابلة للتهذيب، وعلى الجميع أن يتعامل مع هذه الشهوة الهائجة من منطلق أن صاحبها لا حول له ولا قوة، ومن ثم ينبغى توفير كل ما من شأنه أن يساعد على تفريغ الشهوة، سواء كان تفسيرًا دينيًا أو مباركة مجتمعية أو قانونًا ملتويًا أو غيرها. بالطبع على الزوجة أن ترضى الله ورسوله (ص) والمؤمنين وزوجها بالطبع، ولا تكتفى بالسكوت أمام زواجه بأخرى، بل تبارك ذلك وتسعد به. «ولو المسألة شوية كرامة مجروحة أو غيرة مش مشكلة»، فالمرأة ناقصة عقل ودين وشعور وكرامة وكيان، وعليها أن تبنى حياتها على هذا الأساس، ولا ترضى به فقط، بل تسعى إليه وتروج له وتتهم من يحاول أن يخبرها أنها إنسان وليست حيوانًا برأس إنسان بأنه يحاول أن يهدم الدين. الضرر الحقيقى الواقع على الدين هو أنه يتم الآن ترسيخ وتأكيد فكرة أن هناك من يسعى لتشويه هذا الدين العظيم، والترويج له باعتباره مخصصًا للرجال، مبررًا للشهوات الجنسية المرضية باعتبارها طبيعة لا يمكن تهذيبها، معتبرًا المرأة بالوعة أكثر من كونها إنسانًا. وقائمة جهود و«اجتهاد» مناهضة الطبيعة وإلحاق الضرر بالدين طويلة: الموسيقى التي تهذب الروح حرام، الكلاب التي تحمى صاحبها وتخلص له دون انتظار مقابل حرام، معايدة المسيحى الذي قد يكون نعم الأخ والطبيب المنقذ والمعلم المربى والجار المنجد حرام، زرع الأعضاء الذي يكتب حياة جديدة لمريض حرام، ناهيك عن أن دخول الحمام وركوب الطائرة والعمل في البنوك والتعامل مع الفرنجة وطاعة الحاكم أو الخروج عليه، وغيرها من تفاصيل الحياة، تحتاج رأى «الشيخ» وموافقته. الضرر الذي لحق بالدين سببه 50 عامًا من محاولة التأسيس لدين جديد لا يمت للإسلام بصلة، يعمل عكس الطبيعة والإنسانية والمنطق.